صرّح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من طهران الأحد 26 يونيو/حزيران 2022 ان العراق وإيران اتفقتا على السعي من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط بعد يوم من زيارته السعودية في محاولة لإحياء المحادثات بين الخصمين الإقليميين لتهدئة توتر مستمر منذ سنوات. وأتت هذه الزيارة في محاولة من العراق لكسر الجمود المستمرّ منذ شهور في المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران.
هذه المحاولة تأتي اليوم بعد قطيعة سعودية – إيرانية منذ العام 2016، وازدادت سوءًا في العام 2019 بعد هجوم على منشآت نفطيّة سعوديّة، أعلنت وقتها الرياض مسؤوليّة إيران عنه، وهذا ما نفته إيران. فهل يستطيع العراق أن يستعيد دوره كبلد لتلاقي الحضارات في الدور المزمع لعبه في المفاوضات الإيرانيّة – السعوديّة؟
زيارة الكاظمي لطهران بحسب التلفزيون الإيراني، أتت لبحث القضايا الإقليميّة والثنائيّة. وفي مؤتمر صحافي مع الرئيس الإيراني صرّح الكاظمي بأنّ أهمّ ما جاء في هذا اللقاء التأكيد على دعم الهدنة في اليمن، على أن يكون الحلّ السلمي نابعًا عن الإرادة الداخليّة لليمنيّين. وصولاً إلى العمل نحو تذليل تحديات الأمن الغذائي التي تواجهها المنطقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وساطة إقليميّة - دوليّة
وعلى وقع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض الجمعة، تستمرّ الوساطة العراقيّة.
ولتبيان بعض الحقائق التفاوضيّة، قال عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الآشورية في العراق ونائب محافظ محافظة دهوك، شمعون شليمون ايشو، في حديث لـ"جسور"، إنّه "من مصلحة العراق أن يكون وسيطًا بين قطبين إسلاميَّين وخاصّة أنّ العراق هو ملتقى العالم السني والعالم الشيعي. والعراق منذ سنوات يحاول أن يقوم بهذا الدور. لكن بسبب الصراعات والتناقضات الدوليّة في العراق خاصّة، وبسبب الازمات السياسيّة والفراغ الدستوري في الاخفاق في تشكيل الحكومة العراقية، تُرِكَ العراق دون مرجعية سياسية دستورية".
وتابع إيشو "رغم ذلك فدور العراق مهمّ في تقريب السعودية وايران كدولة لها جغرافية تربط الدولتين، وكما للعراق امتداد تاريخي في كل من إيران والسعودية".
صراع اقتصاديّ حضاري
وحول تداعيات الصراع العربي – الفارسي على الوضع الاقتصادي في العراق، رأى إيشو أنّ "العراق ليس بحاجة إلى مساعدة أحد اقتصاديا وعلى العكس هو بحاجة إلى سيادة كاملة من أجل إدارة موارده الاقتصادية وثرواته الطبيعية وان تدخل دول الجور يقلل من سيادته في إدارة ثرواته. كما أنّ صراع دول الجوار على أرضه يكلّفه أموالاً طائلة".
بالنسبة إليه "إنّ اتفاق العالم السني والعالم الشيعي سيجعل من العراق وجهة دينية، كما هو وجهة سياحيّة من خلال ما يمتلك من آلاف المواقع الأثرية والطبيعيّة الجميلة. كما يمكن أن يتحوّل إلى سلّة غذائيّة إذا استُغلَّت أراضيه بشكل صحيح في الإنتاج الغذائي والاستثمار. كما أنّه مُلتقى الشرق والغرب، فضلاً عن أنّ مشاريع المواصلات المستقبلية تمرّ من خلال أراضيه. فالعراق فيه من الثروات ما يجعله من الدول الغنية جدًّا".
كما لفت إيشو في رؤية إقليميّة لدور العراق في موضوع تلاقي الحضارات والوساطات التفاوضيّة، إلى أنّ "ما يؤسَف له، أنّ العراق ما زال يعيش مرحلة الانعطاف الحادّ في التغيير السياسي منذ احتلال أميركا للعراق عام نيسان 2003، وأنّ استقرار العراق سيلقى بظلاله على الوضع اليمني والفلسطيني والسوري واللّبناني".
تداعيات النهج الأميركي
في السياق، لفت الكاتب والصحافي أوشانا نيسان، المقيم في السويد والعراق، وهو كان مستشاراً لنواب سويديين، وكان المستشار الأسبق لرئيس البرلمان لشؤون الشعب الكلداني السرياني الاشوري في إقليم كردستان العراق، في حديث لـ"جسور" إلى أنّ "ما جرى ويجري في منطقة الشرق الاوسط وفي العراق على وجه التحديد بعد عام 2003، هو تداعيات النهج الذي صاغه الحزب الديمقراطي الأميركي منذ دخول باراك أوباما البيت الأبيض، وإطلاق نهجه السياسي تحت عنوان تصحيح المسار في الشرق الاوسط".
أوشانا تطرق أيضاً إلى ما ذكره "بن رون، الذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي للتواصل الاستراتيجي وكاتب خطب الرئيس باراك أوباما، والذي قال إن أوباما كان يكره العرب في شكل غريب، وكان دائماً يردّد أمام مستشاريه أن العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة، وأنهم متخلفون وبدو، وفي المقابل، كان يتحدّث عن إيران بودٍّ ظاهر وبإعجاب شديد بحضارتها". كذلك تطرق أوشانا إلى ما ذكرته هيلاري كلينتون في كتابها المعنون "خيارات صعبة" (Hard Choices) بعدما اعترفت بتحركاتها الدولية من أجل تمهيد الطريق أمام دولة "داعش"، مقرّة بنيلها موافقة 112 دولة مستعدّة للاعتراف بهذا الكيان فور الإعلان عن قيام الدولة الاسلامية، وتزيد كلينتون، لكنّ كلّ شيء كُسر ونحن ننظر إليه بعدما ثار المصريون ونجح السيسي في الانقلاب على الإخوان المسلمين".
ورأى اوشانا أنّ" العراق بلد غير مستقّر منذ إسقاط النظام عام 2003 وحتّى الان. حيث يعاني من حروب طائفية ومذهبية لا تسمح له أن يلعب دور الوسيط الموثوق به، لتقريب وجهات النظر بين الجارتين المتخاصمتين السعودية وايران. لكن ومنذ وصول رئيس الوزراء الحالي السيد مصطفى الكاظمي الى سدّة الرئاسة وزيارته الى كلّ من الرياض وطهران، أظهر للطرفين أنه بأمكانه التوسط بين البلدين، في سبيل خلق مناخ سياسي ملائم في المنطقة عمومًا وفي العراق على وجه التحديد".
تدخلات إيران والوساطة العراقية
وأرجع أوشانا السبب إلى " تداعيات التدخلات للجارة الشرقية إيران في شؤون الدولة العراقية وغيرها من الدول العربية في الشرق الاوسط. حيث أن التحالف الذي يقوده مقتدى الصدر ويشغل 175 مقعدًا تحت قبة البرلمان العراقي، أي الاغلبية ولكنه فشل في تشكيل الحكومة الجديدة رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على الانتخابات البرلمانية الاخيرة".
وتابع أوشانا "صحيح أن الوساطة العراقية هي وسيلة لحلّ الخلافات بين العاصمتين الرياض وطهران، ولكن العراق في ظلّ صراع محتدم على الكراسي والمناصب، وفي ظلّ وضعه الأمني الخطير، قد يخرج من الوساطة خالي اليدين. رغم أنّ استقرار الأوضاع في المنطقة يصبّ في صالح العراق. والسبب هو الاختلاف بين مصالح الدول الثلاث والهدف المستور من وراء التقارب بين الدول".
ورأى أوشانا بأنّ " إيرانّ تستغل الوساطة بهدف تشتيت أنظار المجتمع الدولي عن جهودها النووية، ولاسيّما من خلال إحياء الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الخمس على أساس تقليص البرنامج مقابل رفع العقوبات عن طهران".
وبالنسبة إلى الحكومة العراقية، فأردف أوشانا بأنها "تأمل، أن تنجح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق قبل فوات الاوان. لأنّ العراق وشعب العراق بات يعاني كثيرًا من الطائفيّة والحرب الاهليّة وشرور التقسيم المذهبي المستفحل في العراق".
وفي الرؤية الاقتصاديّة – الأمنيّة صرّح أوشانا لـ"جسور": "جاءت الصراعات الطائفية والمذهبية الدائرة في العراق، وبالا على الوضع الاقتصادي والامني العراقي خلال ما يقارب من 30 سنة خلت . في حين ورغم صعوبات الحياة المعيشية للمواطن العراقي وتراكمها، باتت الحكومات العراقية المتعاقبة تتحمل أوزار وتكاليف التدخل الايراني في العديد من الدول العربية وعلى رأسها سوريا واليمن ولبنان وغيرها".
في المحصّلة،يجب عدم إغفال أنّه في يناير/كانون الثاني 2016، قطعت السعودية علاقاتها مع إيران، إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، احتجاجًا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، لإدانته بتهم منها الإرهاب. كما تتّهم دول خليجية، تتقدّمها السعودية، إيران بامتلاك أجندة شيعيّة توسعيّة في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها العراق واليمن ولبنان وسوريا، وهو ما تنفيه طهران، وتقول إنّها تلتزم بعلاقات حُسن الجوار. يبدو أنّ الأجندة التفاوضيّة الايرانيّة – السعوديّة زاخرة جدًّا بالموضوعات الخلافيّة التي يملك كلّاً من البلدين تساؤلات غامضة حولهاز فهل سينجح العراق في هذه الوساطة بتذليل كلّ المشكلات بين طرفي التفاوض، ما سينعكس ذلك إيجابًا على الساحة العربيّة؟ أم أنّ فشل هذه الوساطة سيشكّل فاتحة العمل الأوّل للناتو العربي المرتقب؟