تتجه المصارف في لبنان إلى المزيد من التشدد في الأيام المقبلة سواء من الناحية الأمنية أو حتى لناحية إنجاز المعاملات المصرفية، بعد سلسلة إقتحامات حصلت من قبل المودعين لبعض فروع المصارف في العديد من المناطق اللبنانية، وبعد رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إعداد خطة أمنية خاصة لحماية المصارف ووضع القوى الأمنية بمواجهة المودعين.
وكانت المصارف قد أقفلت أبوابها نهار الجمعة الفائت ردا على ما وصفته بالاعتداءات التي تتعرض لها، بعد تجدد اقتحامات المودعين، واكتفت بخدمة الصرّاف الآلي للأفراد وخدمة الزبائن للشركات.
المصارف مستمرّة بالإقفال
هذا الإقفال سيستمر حتى إشعار آخر، وقد علمت "جسور" أن المصارف ستحاول قدر المستطاع إنجاز العمليات المصرفية الخاصة بالمودعين على إختلاف أنواعها عبر الصرافات الآلية الخاصة بكل مصرف.
فالسحوبات المالية سواء الرواتب أو الودائع ستتم عبر الصراف الآلي، ولن يتمكن أي عميل من الدخول إلى الفروع لإتمام مثل هذه العمليات.
كذلك الأمر بالنسبة للسندات المُستحقة على العملاء سيتم تحصيلها عبر هذه الصرفات.
منصة صيرفة ستكون أيضًا ضمن هذا الإجراء، إذ سيتعذر على المواطنين بعد اليوم اللجوء إلى المصارف لشراء الدولارت عبر صيرفة، وستلجأ بعض المصارف إلى برمجة الصرفات الآلية لإتمام هذه العمليات.
أما بالنسبة للمواعيد التي إعتمدتها المصارف أخيراً فستبقى موجودة ولكن بتشدد أكبر وستكون محصورة بالشركات عن طريق خدمة الزبائن، خوفاً من تكرار عمليات الإقتحام.
إذا تحاول المصارف اليوم من خلال هذه الإجراءات حماية فروعها وموظفيها قدر المستطاع عن طريق تقليص التعاطي المباشر بين المواطنين وموظفي المصارف.
ولكن هل هكذا تكون الحلول؟
الإجراءات "الترقيعية" لن تحمي المصارف
منذ إنطلاقة ثورة 17 تشرين والمصارف تتعاطى مع المودعين بطرق إستنسابية وإستفزازية، وفي كل مناسبة تذكر جمعية المصارف اللبنانيين بأن ودائعهم موجودة، وأن المصارف أقرضت الدولة عبر مصرف لبنان، وعندما تستعيد المصارف هذه الأموال ستُعطيها للمودعين بمعنى آخر "إلك معنا وما معنا".
وفي هذا السياق علمت "جسور" أيضاً أن بعض المصارف بدأ يعرض على المودعين إعطاءهم ودائعهم الدولارية كاملة على سعر صرف الـ 8000 ليرة للدولار الواحد، وهذا الأمر رفضه المودعون.
هذه الإجراءات "الترقيعية" من قبل المصارف ستزيد الأزمة أكثر فأكثر، فكلما زادت الإجراءات زاد معها العنف أكثر تجاه المصارف، وهذا ما حصل الأسبوع الماضي، لذلك على المصارف اليوم مصارحة المودعين وعدم التلكؤ بموضوع الودائع، والإكتفاء بالإجراءات الأمنية، وبإصدار البيانات التي تتهم مرة جهات سياسية وأخرى خارجية بالوقوف وراء المودعين لإقتحام المصارف وتدمير هذا القطاع.
تلك الإجراءات لن تردع المودعين على العكس تماماً، فمن دخل المرة الماضية بمسدس خُلّبي فقط للترهيب سيدخل هذه المرة بمسدس حقيقي وربما يوقع ضحايا، هذا فضلاً عن إمكانية اللجوء إلى طرق أعنف كعمليات تفجير وغيرها من الطرق التي قد تُشعل حرباً في البلاد.
الحلّ يبدأ مع خطّة واضحة وشفّافة
لذلك ومن هذا المنطلق على المصارف التحرك بأسرع وقت ممكن ضمن خطة واضحة وشفافة - وعدم إنتظار الدولة لتتخذ إجراءات تحمي فيها المودع، خصوصاً وأن المودعين لم يطلبوا كامل ودائعهم - ترتكز هذه الخطة بالدرجة الأولى على إعطاء المودعين الصغار ودائعهم الدولارية من خلال دفعات شهرية منتظمة بالعملة الصعبة وعدم إستغلال وجع البعض منهم لإعطائهم الودائع بالليرة اللبنانية على سعر الـ 8000 ليرة للدولار.
ولكن البدء بصغار المودعين لا يعني ترك المودعين الكبار بل العكس يجب أن تشمل الخطة التفاوض الجدي مع المودعين الكبار على كيفية إعطائهم الودائع وبأي طريقة تُقسم على سبيل المثال لا حصر، قد يتم إعطاؤهم جزءا من وديعتهم بالدولار، وجزءا آخر بالليرة اللبنانية، وجزءا ربما يكون عبر أسهم أو سندات، ولكن من الظلم تحميل جزء من خسائر هذا القطاع إلى المودعين الصغار.
ولابد من إعادة هيكلة هذا القطاع بأسرع وقت ممكن بعد تحديد الخسائر بأرقام حقيقية وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة وعدم تنصل المصارف من مسؤولياتها تجاه تحملها للجزء الأكبر من هذه الخسائر كونها المؤتمنة على ودائع الناس، وهي التي قامت بإقراض الدولة – على حد تعبيرها – بالتكافل والتضامن مع المصرف المركزي.
الأسابيع المقبلة ستكون الأخطر على القطاع المصرفي في ظل التلفت الأمني والسياسي، وفي ظل تشدد الإجراءات التي تلجأ اليها المصارف لحماية فروعها وموظفيها!