خلال الأسبوع الماضي شهدنا حملة منظّمة ضد السفارة السويسرية في بيروت ومؤسسة الحوار الإنساني في جنيف بسبب استضافة السفارة لعشاء خاص لبعض الشخصيات اللبنانية السياسية والفكرية للحوار حول الأوضاع اللبنانية وآفاق الحل على أن يلي ذلك ورشة حوارية في جنيف حول المواضيع نفسها.
وتم نشر العديد من التهم للسفارة السويسرية وللمؤسسة ومنها: ان هذا العشاء والمؤتمر الذي سيليه يستهدفان اتفاق الطائف وتغيير النظام السياسي في لبنان، وان هناك عدة دول متآمرة فيما بينها لاستهداف بعض الطوائف اللبنانية ومنها أميركا وفرنسا وإيران وغيرها، كذلك تم شن حملة اعلامية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال بيانات تحريضية على الدعوة للعشاء والسفارة السويسرية وبعض المشاركين في العشاء والورشة الحوارية، مما اضطر السفارة لالغاء العشاء واصدار بيان توضيحي ان الورشة الحوارية لا تستهدف اتفاق الطائف وان هدف السفارة تشجيع القيادات والمؤسسات اللبنانية على الحوار.
أما مؤسسة الحوار الانساني في جنيف فلم تشارك في حملة ردود الفعل او توضيح الامور، وابتعد الدكتور خلدون الشريف وهو من المتعاونين مع المؤسسة لتنظيم الورشة عن أجواء الاعلام واكتفى بردود محدودة وتوضيحية على بعض الزملاء والزميلات.
وفي الخلاصة يمكن القول أن ما جرى من حملة اعلامية وسياسية ودبلوماسية وشعبية قاسية ضد السفارة السويسرية والمشاركين في العشاء أدى لتفجير العشاء في بيروت وتأجيل الورشة الحوارية في جنيف دون إتخاذ قرار نهائي بإلغائها نهائيًا وعلى أن تتابع الامور لاحقا.
لكن هل سيؤدي تفجير العشاء السويسري في بيروت الى وقف الحوار بين القيادات والاحزاب اللبنانية والى منع النقاش والحوار حول اتفاق الطائف والأزمات اللبنانية المختلفة؟ وهل يمكن نقل الحوار من جنيف الى بيروت بعدما اعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أنه سيبادر الى عقد حوار بين الكتل اللبنانية لمعالجة الأزمات المختلفة في ظل الفشل في انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة؟
من المعروف ان الحوارات بين اللبنانيين قديمة منذ أيام الحرب الأهلية في العام 1975، وقد عقدت مؤتمرات حوارية في بيروت وجنيف ولوزان ودمشق والطائف والدوحة وباريس، كما أن هناك عشرات المؤسسات الاجنبية والعربية واللبنانية تتولى الدعوة لعقد مؤتمرات حوارية وورش حوارية حول الاوضاع اللبنانية خلال كل العقود الماضية، وانتجت عشرات الوثائق والمبادرات حول مختلف الموضوعات والملفات، وحاليًا هناك عدة مبادرات حوارية تطلق من خلال مؤسسات لبنانية وبعضها يحظى بدعم أجنبي ولا تثار الاشكالات حول هذه المبادرات والمؤسسات.
طبعًا قد تكون الحملة على العشاء السويسري وتفجيره مرتبطة بالظروف السياسية اليوم، لا سيما أنه تزامن مع التوصل الى الاتفاق حول الترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني بواسطة اميركية، وفي ظل تخوف بعض الأطراف من وجود مشروع اتفاق ايراني – غربي حول مستقبل لبنان يعطي لحزب الله وللطائفة الشيعية دورًا اكبر ويكون على حساب بقية الاطراف والطوائف، وكذلك تخوف بعض الدول العربية ومنها السعودية ان تتم الحلول في لبنان بدون التنسيق معها، ونظرًا لما يعتبره البعض عدم وجود توازن في القوى السياسية والحزبية وانتشار السلاح، وصولا لتزامن كل ذلك مع الانتخابات الرئاسية والتطورات المتسارعة في لبنان.
لكن من السذاجة القول ان عشاء في السفارة السويسرية في بيروت او ورشة حوارية في جنيف يغيران المعادلات السياسية والشعبية وتوزان القوى في لبنان، ومن الخطأ نشر المخاوف والترهيب من الدعوة لطاولات حوار حول اي موضوع كاتفاق الطائف وغيره، لاننا بحاجة للحوار حول كل الموضوعات في هذه المرحلة ودائما.
لكن قد تكون الفائدة الأهم لكل ما جرى ان ينقل الحوار الى بيروت من جنيف، وان تتولى المؤسسات اللبنانية ادارة هذا الحوار، واذا صحّت المعلومات عن قيام الرئيس نبيه بري بالدعوة للحوار او قيام غيره من الجهات بهكذا مبادرة فنكون نتجه في المسار الصحيح، والمهم ان لا خوف من الحوار والنقاش في اي مكان، والمرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله كان يكرر دوما: الحقيقة بنت الحوار .
ونحن نختم بالقول: لا خلاص للبنان واللبنانيين الا بالحوار سواء كان في بيروت او جنيف او لوزان او باريس او الدوحة او القاهرة او الرياض.