كتب بديع يونس في جسور:
"الشراكة الاستراتيجية الشاملة" هو عنوان اللقاء السعودي والعربي والخليجي مع الصين. قد يتساءل الغرب ويقول: لماذا هذا التقارب؟ لكنّ الجواب واضح بالنسبة لصناع السياسة السعودية خصوصا والعربية عموما. يجمع السعودية والعرب مع الصين "الحياد الإيجابي" في الصراعات الدولية فيما يُطالب الغرب من كل العالم أن يقفوا معه في مغامراته التي هي لمصلحته أولا. والجواب الثاني يظهر بتصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي قال للرئيس الصيني شي جين بينغ إنّ "الشراكة السعودية – الصينية تسهم في حفظ السلم والأمن الدوليين". وإذا نظرنا للبيان المشترك نرى أن الصين تؤكد على وجوب عدم تدخل إيران بالشؤون الداخلية لدول الجوار، وعدم تدخل أي دولة بالشؤون الداخلية للسعودية ووجوب منع تهديد أراضي المملكة. موقف الصين هذا وهي صاحبة الفيتو بمجلس الأمن مهم في العلاقات الجيو – سياسية.
فبالعودة إلى أبريل 2021، أعلن الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تصنع شراكات استراتيجية للحفاظ على مصالحها وتعمل ايضا على تعزيز تحالفاتها مع شركائها. "العالم واسع وسنعمل مع هذا العالم كله" يقول ولي العهد السعودي يومها. ويتابع: "الولايات المتحدة كانت في الخمسينات تشكل 50 % من اقتصاد العالم، ويمثل اقتصادها اليوم 20 % من اقتصاد العالم". يؤكد الأمير محمد بن سلمان العمل على الحفاظ على الشركاء في المنطقة "كما تعزيز التحالفات إضافة لصناعة شراكات جديدة مع الجميع سواء روسيا أو الهند أو الصين أو أمريكا اللاتينية أو افريقيا او غيرها لمصالح السعودية، بما لا يضر أي دولة أخرى في العالم".
إذا، تتمتع السعودية بعلاقات ثنائية قوية مع غالبية دول العالم، لكنها وقعت اتفاقيات شراكة استراتيجية مع بعض هذه الدول لا سيما الكبرى منها.
ففي ديسمبر 2022، جمعت قمة السعودية والصين وارتقت بالعلاقات لشراكة استراتيجية شاملة. وفي فبراير 2019 ، تم الاتفاق على تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجية لتعميق التعاون مع الهند. وفي أبريل 2018 تم توقيع 38 اتفاقية بقيمة إجمالية تفوق 20 مليار دولار مع فرنسا. وفي مارس 2018 تم تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وبريطانيا. أما في العام الذي قبله، وفي مايو 2017 تحديدا، فتمت اتفاقات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة مع الولايات المتحدة قيمتها 380 مليار دولار. وفي العام نفسه وفي أبريل أطلقت قمة سعودية - ألمانية عهدا جديدا من الشراكة الاستراتيجية. وفي 2017 أيضا انطلقت الرؤية السعودية اليابانية 2030 متضمنة اتفاقيات عدة.
على الصعيد الاقتصادي، فإنّ أرقاماً بمليارات الدولارات وحصصا مهمة عززت الاستثمارات والتبادل التجاري بين الرياض وبكين. ففي السنوات الخمس الأخيرة تحولت الصين لشريك تجاري أول للسعودية وباتت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها منذ 2018 إذ بلغ حجم التجارة بين البلدين العام الماضي ما يقارب 80 مليار دولار أي بزيادة قدرها 39% عن عام 2020. وسجل إجمالي الصادرات السعودية للصين 60 مليار دولار منها صادرات غير نفطية بقيمة ما يقارب 12 مليار دولار، بحسب الأرقام الرسمية السعودية.
وفي العلاقات السياسية، اتخذت شكلها الرسمي قبل 32 عاما بعد اتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتبادل السفراء وتنظيم اجتماعات على مستويات سياسية واقتصادية وغيرها. محطات عدة طبعت هذه المرحلة كتشكيل لجنة سعودية - صينية مشتركة عام 2004 برئاسة وزيري خارجية البلدين والاتفاق على بدء حوار سياسي منتظم تبعها الإعلان عن إقامة علاقات الصداقة الاستراتيجية عام 2008. ومن المحطات أيضا، زيارتان للملك سلمان بن عبد العزيز، الأولى عام 1999 حين كان أميرا لمنطقة الرياض والثانية عام 2014 كولي للعهد. وكان التأكيد مجددا على اعتزازه بمستوى العلاقات التي تشمل مختلف أوجه التعاون المشترك. بين هذه السنوات كانت زيارات لرؤساء صينيين للمملكة شددت على التعاون والتشاور والتنسيق سعيا لتعزيز السلم والأمن إقليميا ودوليا.
وعلى هامش القمم الدولية، كانت لقاءات لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الصيني أحدها في قمة دول مجموعة العشرين بالأرجنتين في 2018 أعقبها بزيارة إلى بكين العام التالي. وهذا الحرص الدائم على تبادل الزيارات طوّر العلاقة وانعكست على شراكات وتفاهمات اقتصادية. المسؤولون الصينيون يشددون على أنّ السعودية شريك رئيسي لهم في المنطقة.
الكيمياء واضحة بين الرياض وبكين. سرّعت عجلة التعاون العسكري والاقتصادي التي سبقت التأطير السياسي الكامل بينهما. فتركيبة العلاقات بين البلدين تعود لدوافع متبادلة.
فأولويات العلاقة مع الشريك الصيني تتمثل بالتعاون غير المشروط أي أنّ الصين لا تضع شروطا وهي منفتحة على مزيد من التعاون. ورغم أن انفتاح المملكة على الصين ليس استثناء بل يدخل ضمن سياسة التوسع شرقا واستراتيجية تعدد البدائل والتحالفات وإن بمستويات متفاوتة، إلا أن الصين استحوذت على الحصة الكبرى لإمكانياتها الاقتصادية وموقعها بمجلس الأمن. وهي سياسةٌ تبعث برسائل لبعض حلفاء المملكة بعدم رهن المصالح لخيارات دولة محددة مهما كانت مكانتها.
وضمن مزايا التعاون هناك مصلحة للسعودية والمنطقة في مجال النفط. فالصين التي تعد رابع منتج للنفط في العالم، تعتمد على النفط المستورد بسبب ارتفاع الطلب لديها.وهنا تأتي محاولة إبعاد الصين عن إيران أو على الأقل إضعاف علاقتها بها، وبالتالي تقليل الحاجة الصينية إلى النفط الإيراني وزيادة ضغط العقوبات على طهران. وظهر هذا في البيان المشترك في أعقاب هذه القمة. بداية من "ضرورة احترام إيران لحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون السعودية والدول الأخرى وتهديدها"، كما أنّ البيان يتلاقى مع مواقف السعودية من أزمات المنطقة "عبر حل سياسي باليمن وفق المبادرة الخليجية مرورا بالحل السياسي في سوريا والحفاظ على وحدتها كما أهمية استقرار العراق وعدم جعل لبنان منطلقا لعمليات إرهابية". هذا التوافق يظهر أنّ قمم الرياض نجحت بكسب حليف وازن دوليا ويشاركها سياستها في المنطقة.
من جهتها، تستقطب السعودية الاهتمام الصيني من منطلق موقعها بالمنطقة العربية ومركزية قرارها. فالتعاون مع المملكة يضفي مشروعية على سياسة الصين الخارجية وثقلها بالمنطقة وموازين القوى الدولية. كما يخلق فرصا لتحسين صورتها بالعالم العربي.
تعاون يصب أيضا في زاوية مستلزمات المشروع الصيني الاستراتيجي المتمثل بطريق الحرير بحكم الموقع الجغرافي للسعودية وإمكانياتها المادية.
على كل المستويات، يبدو أن هذه العلاقة هي علاقة رابح – رابح، واتفاقية الاستراتيجية الشاملة هي لمصلحة الطرفين.