شهد مجلس النواب اللبناني في ساحة النجمة أول معركة حول الأكثريّة الجديدة في البرلمان، وذلك في استحقاق انتخاب الرّئيس ونائبه وعضويّة هيئة مكتب المجلس، ونجح حزب الله وحلفاؤه في إيصال الرئيس نبيه بري والياس ابو صعب والآن عون وهادي أبو الحسن الى هيئة مكتب المجلس، ممّا شكّل أول انتكاسة لقوى التغيير والقوى المعارضة للحزب وحلفائه.
في هذا الوقت كانت حارة حريك والضّاحية الجنوبية تشهدان أول تجربة حوارية مباشرة بين مجموعات قريبة من قوى التغيير وقوى المقاومة ودعاة الدولة المدنية.
يوم الثلاثاء الماضي شهد المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الاسلامية وحوار الأديان (وهو مؤسسة مستقلة يرأسها العلامة الشيخ محمد حسين الحاج ومقرها أوتستراد الشهيد هادي نصر الله) أول لقاء حواري ضم ممثلين عن الاتجاهات الثلاثة، ففي حوار حول مستقبل الأفق السياسي بعد الانتخابات النيابية شارك فيه رئيس حزب الخضر اللبناني وحركة السلام الدائم فادي ابي علام والقيادي في الجماعة الاسلامية الدكتور وائل نجم والاعلامي في تلفزيون المنار محمد شري، جرى حوار معمّق حول العلاقة بين قوى التغيير وقوى المقاومة وحزب الله والاشكالات التي تعيق حصول هذا الحوار وكيفية تجاوز الاشكالات والسجالات التي تمت خلال العملية الانتخابية، وقدمت خلال الحوار أفكارًا مهمة حول أفاق المستقبل .
والمعروف أن الاستاذ فادي أبي علام كان مرشحًا على لائحة قوى التغيير في دائرة عالية – الشوف والتي أوصلت ثلاثة نواب، كما شارك في الحوار الاستاذ ميخائيل عوض وهو من الذين تابعوا وشاركوا في الحراك الشعبي منذ 19 تشرين الاول ، كذلك شارك الكاتب والمفكر فرحان صالح رئيس حلقة الحوار الثقافي وأحد دعاة الدولة المدنية، وشاركت شخصيات أخرى متنوعة في الحوار وتركّز النقاش حول المخاوف المتبادلة بين اللبنانيين وكيفية مواجهة هذه الهواجس والمخاوف من أجل إصلاح النظام وبناء الدولة المدنية، وأعلن الشيخ محمد حسين الحاج أن المجمع الثقافي الجعفري وبالتعاون مع نادي الشرق لحوار الحضارات سيعلن قريبًا مشروعه حول الدولة المدنية وسيقيم لقاء حواريًا خاصًا في هذا المجال.
ويوم الخميس الماضي استقبل نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في مقر كتلة نواب الوفاء للمقاومة ومجلس العمل الحكومي والنيابي في الحزب في حارة حريك وفدًا من ملتقى عطاء بلا حدود برئاسة الدكتور طلال حمود وضم الوفد شخصيّات متنوّعة ثقافيّة وأكاديمية ونقابية حملت إليه هواجس قوى التغيير والاشكالات على أداء حزب الله وحلفائه والأسئلة حول معركة الفساد ومستقبل الاصلاح في لبنان، وكانت أجوبة الشيخ واقعية وعمليّة حيث عرض رؤية الحزب حول مختلف التطورات مؤكدًا الاستعداد للحوار مع كل قوى التغيير والجهات الداعية للاصلاح، وأبدى الاستعداد لمناقشة أي مقترح عملي لمعالجة الأوضاع الصعبة في لبنان، مشيرًا إلى أن الحزب لا يستطيع لوحده خوض غمار التغيير وهو يحتاج للتعاون مع الجميع .
هذان اللقاءان الحواريان يمكن اعتبارهما نموذجًا لورش حوارية حقيقيّة يمكن القيام بها في الفترة المقبلة بين مختلف القوى السياسية والحزبية وقوى التغيير الجديدة للبحث في آفاق الوضع اللبناني وكيفيّة تجاوز الازمة الحالية.
وبانتظار حسم معركة اختيار رئيس الحكومة الجديدة وتشكيل هذه الحكومة التي ستتولى إدارة البلاد لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية في شهر تشرين الاول المقبل، يمكن لهذه الورش الحوارية أن تساهم في بلورة مشروع اصلاحي مستقبلي يجمع بين بناء الدولة الجديدة وتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة ويضع استراتيجية دفاعية جديدة .
فهل يمكن اطلاق هذا المشروع الحواري لانقاذ لبنان؟ أم سنظل نتخبط في الصراعات والسجالات الداخلية؟ ويبقى بلدنا ساحة للصراعات؟