أنظار العالم كله تتجه اليوم إما الى العاصمة النمساوية (فيينا) لمعرفة مصير المفاوضات الدولية حول الملف النووي الإيراني، او الى العاصمة الاوكرانية (كييف) لمعرفة مصير الحرب الروسية على اوكرانيا، والحدثان سيحددان مستقبل النظام العالمي والاقليمي الجديد، وسيكون لهما تأثير كبير على مستقبل المنطقة كلها.
لكن رغم إنشغال العالم والعواصم الإقليمية بهذين الحدثين المهمين، فان هناك جهات دولية وعربية ولبنانية تدرس اليوم بعيدا من الاوضاع مستقبل لبنان ومصيره في المرحلة المقبلة وذلك في ضوء ما يجري داخليا وخارجيا، لان مستقبل لبنان سيكون من مستقبل نتائج التطورات الدولية والاقليمية والداخلية.
فلبنان يشكل اليوم الجبهة الاولى والاقوى في مواجهة الكيان الصهيوني، والصراع السري والعلني بين حزب الله والمقاومة الاسلامية من جهة وبين الجيش الاسرائيلي والموساد من جهة اخرى سيزداد في المرحلة المقبلة وقد يتطور الى مواجهة مباشرة وذلك على ضوء نتائج المفاوضات في فيينا حسب العديد من المصادر الدولية .
وفي الوقت نفسه فإن ما يجري في أوكرانيا والصراع الروسي – الغربي على الارض الاوكرانية ستكون له تداعيات عالمية واقليمية، سواء على صعيد الدور الروسي في المنطقة أو على صعيد حلفاء روسيا وخصوصا سوريا وايران، وقد يكون لبنان احدى الساحات الاساسية التي ستظهر فيها نتائج هذا الصراع، بعد أن أصبح لبنان طرفا أساسيا في هذا الصراع ولو من الباب الدبلوماسي والسياسي.
والتطور الاهم الذي سيحدد مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة سيكون الانتخابات النيابية والتي دخلنا في أجوائها الكاملة منذ أسابيع عدة من خلال إعلان اللوائح وأسماء المرشحين وبعض التحالفات السياسية والانتخابية، وسنشهد في الايام المقبلة تصاعدا لحدة الصراعات السياسية والشعبية والاعلامية بحيث سنكون أمام جبهات ممتدة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ، ومن أقصى البقاع الى بيروت مرورا بجبل لبنان .
وقد عمد العديد من المؤسسات الدولية والسفارات الغربية والعربية بإعداد الدراسات والاحصاءات حول نتائج الانتخابات ودلالاتها وانعكاساتها المستقبلية، من دون ان يسقط من حساباتها احتمال عدم حصول هذه الانتخابات لاسباب امنية او عسكرية والخيارات التي يمكن أن يتم اعتمادها في هذه الحالة .
وبإنتظار وضوح الرؤية حول كل هذه الاحداث والتطورات وكيفية انعكاساتها على مستقبل لبنان واللبنانيين، بدأت مؤسسات دولية ومحلية تبحث بعمق حول مستقبل لبنان بعد الانتخابات وما هي الموضوعات التي ينبغي بحثها في حال تم عقد مؤتمر دولي أو اقليمي حول لبنان ومستقبله، وقد أعدت جهات لبنانية ودولية عدة أوراق عمل أولية للنقاش حولها وتتضمن افكارا واقترحات تتعلق بمستقبل لبنان وبعض القضايا والملفات التي تحتاج الى نقاش تفصيلي ومنها: كيفية استكمال وتطوير اتفاق الطائف، تشكيل مجلس الشيوخ، الوصول الى دولة مدنية حقيقية، تطوير النظام الاقتصادي والمالي وتحقيق الرعاية الاجتماعية، الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله، وتحييد أو حياد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية.
هذه الملفات والقضايا ستكون محور بحث ونقاش داخليا وخارجيا ولكن لن يتم البت بها الا بعد الانتخابات النيابية في حال حصلت ولم تؤجل وعلى ضوء التطورات الجارية اقليميا او دوليا ، وستكون الفترة الممتدة من الخامس عشر من مارس/آذار وحتى الخامس عشر من مايو/ ايار فترة حرجة وقلقة لتحديد مستقبل لبنان واللبنانيين، وليس علينا الا انتظار ما سيحصل خلال هذه الفترة كي نعرف الى أين تتجه بنا المراكب والسفن في المرحلة المقبلة.