كتب إبراهيم ريحان في جسور:
لم تُعد إيران وروسيا تُعارضان عمليّة برّيّة تُركيّة ضدّ قوّات سوريا الدّيمقراطيّة ذات الغالبيّة الكرديّة في الشّمال السّوريّ. هذا ما أكّده مصدران إقليميان بارزان لـ"جسور" مؤخّرًا. كما يشير المصدارن إلى أنّ الجيش التّركيّ يتهيّأ لعمليّة برّيّة ضدّ المُقاتلين الأكراد في المناطق السّوريّة المُجاورة للحدود التّركيّة.
لم يشأ المصدران الحديث عن مدّة أو موعد العمليّة، إلّا أنّهما أكّدا أنّ كلّ المؤشّرات تقول إنّ العمليّة قد تنطلق قبل نهاية العام الجاري، في حال لم يطرأ أي جديد.
هكذا تغيّرت المُعادلات التي كانت قائمة قبل اندلاع التّظاهرات في إيران والانفجار الذي استهدف منطقة تقسيم في مدينة اسطنبول التركيّة قبل أسبوعيْن.
ما الذي غيّر الموقف الإيرانيّ؟
بعد اندلاع التّظاهرات في إيران بعد مقتل المواطنة الكُرديّة مهسا أميني على أيدي شرطة الأخلاق التّابعة للنّظام، دأب الحرس الثّوريّ الإيرانيّ على استهداف مناطق ومواقع في محافظة أربيل في كردستان العراق بالصّواريخ والمسيّرات، قال إنّها تضمّ مُقاتلين مُسلّحين تابعين للمعارضة الكرديّة – الإيرانيّة تتخذُ من إقليم كردستان مقرًّا لها.
كذلك تتهم إيران سُلطات إقليم كردستان العراق بإيواء مراكز للاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (CIA) والموساد الإسرائيلي تُشرف على تأجيج التظاهرات في إقليم كردستان الإيراني، بحسب ما اتهمَ أكثر من مسؤول إيرانيّ أربيل غير مرّة.
في العمقِ، تخشى إيران من أن يُشكّل أكراد سوريا داعمًا لأكراد إيران، خصوصًا أنّ إقليم كردستان الإيرانيّ يرتبطُ جغرافيًّا بمناطق أكراد سوريا عبر إقليم كردستان العراقيّ.
تهدُف إيران بقصفها لمحافظة أربيل لتحصيل أمريْن:
الأوّل: أن تضغطَ على مسعود برازاني وقيادة الإقليم العراقيّ ليضغطوا بدورهم على أكراد إيران ووقف التظاهرات التي كانت شراراتها مقتل مواطنة كُرديّة.
الثّاني: أن تُعطي رسالة عسكريّة عالية اللهجة لأكراد العراق بأن لا يدعموا نظرائهم الإيرانيين.
يقول أحد المصدريْن لـ"جسور" إنّ إيران أبلغَت السّلطات العراقيّة في بغداد أنّها جادّة إلى أبعد الحدود في تهديدها لإقليم كردستان العراق، إنّها ستذهب بعيداً بعمليّاتها إذا اضطُرّ الأمر.
صارَ الأكراد عبئًا على إيران، وصارَت مُقتنعة بضرورة ضربهم في العراق وسوريا وليسَ فقط ضمن أراضيها، خصوصًا أنّ الأكراد في أربيل وشرق سوريا مُقرّبون من الولايات المُتحدة، وتعتبرهم إيران أذرعًا أميركيّة في المنطقة.
لن تفتح إيران أكثر من جبهة مع الأكراد، وتحمل "وزرَ" الحرب ضّدهم وحيدة، فبدّلت موقفها المُتصلّب من العمليّة العسكريّة التركيّة المُحتملة ضدّ أكراد سوريا.
يدخُل في هذا الإطار أيضًا إعلان حكومة محمّد شيّاع السّوداني أنّها ستُرسل قوّات من الجيش العراقيّ إلى المنطقة الحدوديّة لإقليم كردستان مع إيران وتركيا. وهذا ليسَ تفصيلاً.
يسعى السّوداني لأن يكون الجيش العراقيّ رديفًا غير معلنٍ للحرس الثّوريّ عبر إغلاق طُرق الإمداد المُحتملة لأكراد إيران مع محافظة أربيل.
هذا في طهران، ماذا عن أنقرة؟
في تركيا صارَ الموقف أكثر حديّة، فأكراد سوريا نفّذوا عمليّة داخل العصب الاقتصاديّ لتركيا، اسطنبول. وفي الشّارع الأكثر ازدحامًا بالسّائحين العرب والأجانب، وهكذا يكون أكراد سوريا قد تخطّوا الخطوط الحمراء التي رسمتها حكومة أنقرة.
كان الأتراكُ حريصين على التحرّك بشكلٍ سريع، وتوقيف المواطنة السّوريّة أحلام البشير خلال ساعات قليلة، وهي التي رصدتها كاميرات المُراقبة تحمل الحقيبة التي احتوت العبوة النّاسفة.
عزَم الأتراك ضرب "الخطر الكرديّ" في سوريا. جاءَت الصّدفة ليتزامن التّوتّر التركيّ مع الأكراد مع بلوغ التّوتّر الإيرانيّ معهم حدّه الأقصى، ورغبة روسيا في ضرب أذرع أميركا في سوريا، فالتقى الثّلاثي الضّامن لـ"مسار آستانا" على ضربِ الأكراد، وبكلّ قوّة.
تحمل الأيّام المُقبلة توتّرات ستُترجمها الأرض السّوريّة، وسيكون عنوانها العريض "ضرب الأكراد ومن خلفهم الولايات المُتحدة، والتي قد لا يطول بقاؤها في سوريا مع رغبة رئيسها جو بايدن بترتيب انسحابٍ لا يكون كارثيًّا على شاكلة انسحاب أفغانستان.. وللحديث تتمّة..