حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي عاطلة من العمل، فلا هي قادرة على وضع خطّة إنقاذيّة تقي الناس الأخطر، ولا هي قادرة على تنفيذ وعود قطعتها لصندوق النقد الدّولي، ولا هي قادرة على وضع حدّ لارتفاع سعر صرف الدولار.
كلُّها خطابات واعدة لا تُصرَف في أيّ مكان، وعلى مدى أربعة أشهر طُويَ ملف تأليف حكومة جديدة من منطلق أن التركيز منصبٌّ على الاستحقاق الرّئاسي. ولكن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللّبنانيّة لا يبدو أنّه سيمر بسهولة في ظلّ تحذير متكرّر من فراغ محتمل وهذا ما كان واضحًا في كلمة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأخيرة من مدينة صور جنوب لبنان، حين قال إنّه خوفًا من الفراغ يجب تأليف حكومة جديدة تكون قادرة على تسلّم صلاحيّات رئيس الجمهوريّة.
تناقض في الملف الحكومي
"التيّار الوطني الحرّ" و"حركة أمل" و"حزب الله" يرجّحون الفراغ الرئاسيّ ويريدون حكومةً جديدة في أسرع وقت شرط أن تكون سياسيّة باعتبار أنّ أي حكومة تكنوقراط ليست مهيّئة لأدوار سياسية قد تطرأ في المرحلة المقبلة، إلّا أنّ القوّات اللبنانيّة ترى أنّ من يحذّر من الفراغ يسعى إلى الفراغ. وتشدّد مصادر القوّات لـ"جسور" على أنّها غير معنيّة بالملف الحكوميّ ولا يمكن أن تشارك في أيّ حكومة خلال عهد الرّئيس عون وتسأل: "كيف يمكن التفكير بحكومة جديدة والبلاد دخلت في الولاية الدستوريّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة؟".
في المقابل، هناك جهات سياسيّة كحزب "التقدمي الاشتراكي"، تريد حكومة جديدة شرط ألّا يكون تأليفُها مبرِّرًا للفراغ الرّئاسيّ. وهنا لا بد من التوقّف عند تأكيد الرّئيس ميشال عون أنّه لن يبقى في القصر ولو دقيقة واحدة مشيرًا إلى أنّ قراراته قد تتبدّل في حال لم تؤلّف حكومة.
تصعيد عون-ميقاتي
في كلّ الأحوال، فإنّ التأليف عالقٌ بسبب خلافٍ بين المعنيَّين الرّئيسيَّين في هذا الملف وهما رئيس الجمهوريّة والرّئيس المكلّف. وآخر المناكفات ظهرت في اتّهام عون لميقاتي بأنّه يتعمّد عرقلة التأليف كي يضع هو ومن خلفه أيديهم على البلد عبر حكومة تصريف الأعمال. ويضيف عون في حديث صحفي إنّ ميقاتي وبعد موافقته على رؤية رئاسة الجمهوريّة لبنية الحكومة المقبلة، عاد وبدّل رأيه بعد تواصله مع الرّئيس برّي.
مصادر قصر بعبدا تؤكّد لـ"جسور" أنّ الرّئيس عون التزم الصمت في الفترة الماضية احترامًا للعمل المؤسساتي والقواعد الّتي من المفترض أن تسير على أساسها الأمور، لكنّه اليوم قرّر تسمية الأمور بأسمائها لأنّ الاستحقاق الرئاسي المرتقب أصبح مهدّدًا بالفعل نتيجة إصرار داخلي على العرقلة بناء على املاءات خارجية. وتضيف المصادر إنّ من يقفون بوجه تأليف حكومة جديدة ويريدون الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال غير المتمتّعة بالصلاحيّات الكافية، هم أنفسهم لا يريدون انتخاب رئيس ويخطّطون لفرض الشغور الرّئاسيّ كأمرٍ واقع في البلاد.
التعنّت الحاصل بين عون وميقاتي مستمر ولكن هل الاتّصال الإيرانيّ الفرنسيّ قادر على قلب المشهد الحكومي؟
اتّصال إيرانيّ فرنسيّ
وسط التصعيد الكلامي والاتّهامات المتبادلة، اتّصل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بالرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤكّدًا دعمه تأليف حكومة لبنانيّة قويّة وضرورة تعاون فرنسا وإيران إلى جانب "حزب الله" من أجل إمرار تأليف الحكومة بأسهل طريقة ممكنة.
إنّه اتّصال غير عابر، فبالعودة إلى الأرشيف، يتّضح أنّ حكومة ميقاتي التي أصبحت اليوم حكومة تصريف أعمال كانت قد وُلدت في أيلول/سبتمبر 2021 نتيجة اتّصال مشابه دار يومها بين رئيسي وماكرون واستطاع التواصل بين الرجلين حلّ تعثّرحكومي دام لأكثر من عام. فهل لا تزال خطوةٌ كهذه تمتلك المفعول نفسه خلال الظروف الرّاهنة؟ ولكن حتّى لو تألّفت حكومة جديدة، من يضمن أنّها لن تكون وسيلةً لتوزيع النفوذ السياسيّة من جديد وتأجيل الاستحقاق الرّئاسي إلى أجل غير محدّد؟
تأليف الحكومة لوحده غير قادر على حل الأزمات ما دام المتشاجرون على الحصص الوزاريّة هم أنفسهم عطّلوا الحكومة الحاليّة بهدف عرقلة تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، وهم أنفسهم أهدروا عشرين مليار دولار على سياسات دعم من دون أي جدوى، وهم أنفسهم افتعلوا الطوابير أمام الأفران ومحطّات الوقود، وهم أنفسهم كرّسوا العتمة 24/24 وهم أنفسهم لم يتمكّنوا من تنفيذ أي خطّة إصلاحيّة طالبهم بها صندوق النّقد الدّوليّ. وعليه، الإنجاز الحقيقي هو إنجاح الاستحقاق الرئاسيّ بأدوات لبنانيّة وإيصال رئيس لا يقبل إلّا بحكومات إصلاحيّة برؤية جديدة، ويملك جرأة قطع الطريق أمام حكومات النفاق الوطني.