كتب خالد العزي في جسور:
على وقع اشتباك آخر على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان، وقرع طبول الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وفشل الاتفاق النووي بين إيران وإمريكا، واشتعال الجبهة الآسيوية في قيرغيزستان وطاجيكستان ونكسات روسيا في أوكرانيا، عُقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون، يومي 15 و 16 أيلول/سبتمبر الحالي، في مدينة سمرقند التاريخية.
حضر القمة قادة عشر دول، بالنسبة لهذه الدولة تكتسب منظمة شنغهاي للتعاون وزنًا متزايدًا على المسرح العالمي. تأسست المنظمة عام 2001 من قبل الصين وروسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، واكتسبت المزيد من الأعضاء في مواجهة دول آسيوية ثقيلة الوزن مثل الهند وباكستان، واستطاعت ايران وبيلاروسيا في هذه القمة الحصول على العضوية.
ولم يمنع عدد من الدول العربية الانضمام إليها بصفة مراقب. لقد أشار رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف إلى الأهمية السياسية والاقتصادية للمنظمة بالنسبة للمجتمع الدولي لهذه المنظمة الإقليمية، حيث وحّدت حوالي نصف سكان العالم.
ويبلغ إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون حوالي ربع الناتج العالمي. لا يمكن فهم مضمون كلمة الرئيس الأوزبكي ميرزيوييف، بأن منظمة شنغهاي للتعاون باتت تشكل إطارًا سياسيًا واقتصاديًا لهذه الدول المجتمعة موازيًا لمجموعة الدول السبع الاقتصادية.
لأن مجموع دول المنظمة ملئ بالمتناقضات والخلافات، التي تبعد تشكيل أي حلف سياسي وعسكري طالما الخلافات تطغى على الدول المجتمعة بغض النظر عمّا إذا كان المشاركون من دول آسيا جنبًا إلى جنب وجود دول عربية مراقبة.
يتضمن جدول أعمال القمة تطوير التعاون في المجال الاقتصادي والأمني بين المجموعة. والنظر إلى الأحداث في أوكرانيا وحول تايوان. لذا تهدف روسيا من اجتماع المنظمة القول بأنها اللاعب الأساسي، ولا تزال تملك هامش الحركة في الدول الآسيوية التي تشكل بديلًا من الدول الغربية في ظل الصراع المحتدم مع الغرب والعقوبات المفروضة.
تحاول روسيا تقاسم النفوذ مع الصين في الفضاء الآسيوي والإيحاء إلى عمق العلاقة الروسية الصينية التي تؤسس من خلال هذه الجبهة إلى فضاء جيوسياسي جديد متعدد الأقطاب. وعلى الرغم من التودد الصيني للروس ومدى عمق المصالح بينهما، إضافًة إلى الخطاب الذي وجهه الرئيس الصيني في اللقاء الروسي الصيني، إلا أن التمايز الصيني بدا واضحًا بينهما من خلال محطة لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ قام بها في طريقه إلى القمة في كازاخستان تحت عنوان "الديمقراطية تموت في الظلام".
وهذا يعني أن محادثات شي مع الرئيس الكازاخستاني توكاييف تهدف إلى منع الكازاخستانيين من أي دعم للأويغور المسلمين في شينجيانغ الصينية، وتعزيز موقع الصين المهيمن في اقتصاد الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، والإطاحة بروسيا هناك من خلال تأكيد تعهّد الصين بضمان وحماية أمن كازاخستان. فالصين لم يعجبها التفجير بين القرقيز والطجيك، وهي مزعوجة من تفجير الوضع بين أرمينيا وأذربيجان، لان الحربين يضران بمصالح الصين خاصة لجهة إيقاف طريق الحرير في هاتين المنطقتين وروسيا مسؤولة .
أما بالنسبة للحرب في أوكرانيا فلن يمنع الصين، على الأقل بالكلام، الاستمرار بدعم روسيا في صراعها مع أوكرانيا. حيث استطاعت أن تحافظ على الحياد الإيجابي من الحرب. روسيا لها مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى. لكنها تتراجع وتضعف تدرجيًا، لا سيما فيما يتعلق بالفشل في أوكرانيا، ويؤكد هذا المشهد الذي تناولته وسائل الاعلام للرئيس الروسي ينتظر الرئيس القرغيزي.
بهذا الوقت تجتمع جميع المشاكل السيئة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى حول روسيا. التي تولت مهام جندي حفظ سلام. فإن وجود روسيا ووجود منظمة معاهدة الأمن الجماعي هو وجود عسكري سياسي، وهو أمر يشكل أساس الاستقرار المحلي في هذه الدول. إذا ما تطور الصراع، فإن العواقب ستكون محزنة، لأن آسيا الوسطى سوف تنقسم إلى مؤيدين ومعارضين لروسيا.
ومن ناحية أخرى، يتعيّن على روسيا أن تتخذ خيارًا جديدًا للتعامل مع هذه الدول، مع الأخذ بالاعتبار نمو الحركات الإرهابية في أفغانستان التي ستنعكس على شعوب هذه الدول.
إن القمة ما هي إلا لقاءات واجتماعات ثنائية وثلاثية رسمية لكنها دون التأثير في الفضاء الدولي، بالرغم من أن الصين وروسيا تحاولان جر هذه المنظمة لخدمة مصالحهما الخاصة.
لقد جمعت هذه المنطقة الآسيوية دولاً فاعلة، لكن التطورات الجيوسياسية لا تسمح للمنظمة بتغيير أي شيء بما يخص إنشاء حلف دولي لمواجهة الحلف الأطلسي والأمريكي، لأن ميزان القوى العالمي، لا يسمح بتشكيل هذا الحلف كجهة رديفة للأطلسي، لتبقى المنظمة كما أشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "بدون أنياب".