كتبت مايا هاشم في جسور:
"دخيلك يَمّا لا تروح… أخواتك شايفين منام مش منيح" بهذه الكلمات توجّهت أم رامي لابنها رواد لثنيه عن ركوب "قارب الموت" الذي انطلق صباح الثلاثاء 20 أيلول/سبتمبر الجاري متوجّهًا من ميناء مدينة طرابلس اللبنانية نحو دول الاتحاد الأوروبي هربًا من "جحيم" هذه البلاد وبحثًا عن "نعيمٍ مزعوم".
تتذكر أم رامي بحرقة كلمات ابنها رواد، الذي قضى غرقًا على متن القارب، قائلاً لها "بدي أروح أدرس وأحصل على أموال وأعَيشك أفضل عيشة يَمَّا" هي الأم الثكلى تبكي على فقدان ابنها، حالها كحال ذوي ضحايا "قارب الموت" الذي كان على متنه ما بين 120 - 150 شخصًا.
نجاة لم يبلغوها
من جنسياتٍ لبنانية، فلسطينية، سورية إضافة إلى أقليّات أخرى. توجّهوا في طريقهم نحو "نجاةٍ" لم يصلوا إليها، بعضهم توقف عدّاد عمره قبالة جزيرة أرواد على السواحل السورية، أما من بقي على قيد الحياة، فكُتب له "عمرٌ جديد".
من جنسياتٍ لبنانية، فلسطينية، سورية إضافة إلى أقليّات أخرى. توجّهوا في طريقهم نحو "نجاةٍ" لم يصلوا إليها، بعضهم توقف عدّاد عمره قبالة جزيرة أرواد على السواحل السورية، أما من بقي على قيد الحياة، فكُتب له "عمرٌ جديد".
روايات متشابهة بمصيرها، مختلفة بتفاصيلها. وسام التلاوي باع منزله لحجز مقعدٍ له ولعائلته يوصلهم إلى "برِّ الأمان"، منحته الحياة فرصةً للبقاء على قيدها بعدما نجا بنفسه، بينما خسر زوجته وأولاده الأربعة وبقي "شاهدًا" من هذه العائلة يروي تفاصيل قصة أشبه "بفيلم هوليودي".
لعنة الغرق
كذلك قصة مصطفى مستو الذي قضى وأولاده الثلاثة غرقًا على متن القارب "المنكوب" نفسه، تاركًا أرملته في العناية المشددة. كثير غيرهم من الضحايا الذين واجهوا مصيرًا مأساويًا وغيرهم ممن بددت أحلامهم "لعنة" الغرق.
الكثير من الخذلان
تظهر فصول الكارثة الإنسانية في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطنيين إذ فقد المخيم ما لا يقل عن ٢٠ ضحيةً من أبنائه على متن "قارب الموت".
أراد هؤلاء التضحية بحياةٍ فيها ما يكفي من الفقر والعوز والتدهور المعيشي وفقدان حقّهم بالعودة وسط "خذلان"من قياداتهم السياسية وحرمانهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية في بلدٍ مرَّ على لجوئهم فيه 74 عاما.
وحدة المسار والمصير
هو قارب تاه في المتوسّط مخلّفًا وراءه ذكرى أليمة وضحايا كان لهم القارب "الأمل الوحيد" للنجاة من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان، وسط معلومات تؤكد بأن السوريين الذين كانوا على متن "قارب الموت" أتوا من الداخل السوري ولم يكونوا من اللاجئين السوريين في لبنان. وبالتالي واجه اللبنانيون والفلسطينيون والسوريون- الذين كانوا على متن قارب الموت- وحدة المسار والمصير، تبدأ وتنتهي بحياةٍ صعبة، كتب على مواطني هذه الدول أن يعيشوها، تتشابه ظروفهم التي تتراوح بين حروب وانهيارات وتهجير ودمار وموت محتّم،أحد أهم أسبابه، فشل الحكومات المتعاقبة لهذه الدول بتأمين حياة كريمة لمواطنيها وبناء دولة يشعر بها المواطن "بالانتماء".
تجّار الموت
ولّدت الأزمات المتعاقبة في لبنان "تجارة" مستجدّة تديرها مافيات التهريب أو ما يسمى "بتجار الموت" في البحر الذين يحصلون على مبلغ مادي يتراوح ما بين 3 إلى 5 آلاف دولار تكلفة كل فرد، كما يحرص هؤلاء المهربون أن تضم الرحلات فلسطينيين وسوريين بالدرجة الاولى من ثم لبنانيين، وذلك من ضمن متطلبات تسهيل الدخول إلى أوروبا التي تعترف -بعض دولها - بحق اللجوء للفلسطينيين والسوريين، فيما لا ينطبق ذلك على اللبنانيين.
تنطلق الرحلة، ويبحر القارب في عرض البحر محمّلاً بروّاد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، هربوا من جحيم بلادهم بحثًا عن "حياة أفضل" في زعمهم. فمنهم من ينتظر الإنقاذ، ومنهم من يلفظ أنفاسه، ومنهم من يدخل أوروبا بصفة "لاجئ".