بعد الجزأين السابقين عن أحوال الأقليّات وتعرّض إقليم كردستان العراق للاعتداءات من قبل الأتراك والإيرانيّين، يكمل موقع جسور حديثه مع النائب في برلمان كردستان كلارا أوديشو التي تتحدّث عن حقّ عودة كلّ الذين نزحوا قسرًا من أراضيهم ووجدوا الملاذ الآمن في إقليم كردستان الذي أمّن لهم ادنى مقوّمات العيش بحرّيّة وكرامة.
حقّ العودة
لقد صار جليًّا للجميع أنّ الاقليم يستقبل المكوّنات التي هربت من الإضطهاد الذي لقيته في مناطقها. وهنا تبرز إشكاليّة عودة هؤلاء إلى مناطقهم، لا سيّما وأنّ الدلائل تشير إلى أنّ بعضًا منهم قد تخلّى طوعًا عن حقّ العودة لما استطاع إقليم كردستان تأمينه من أدنى مقوّمات الكرامة الإنسانيّة لهؤلاء.
وتشير أوديشو في حديثها لموقع جسور بأنّ "الكل يعرف بأنّ هذا النزوح كان بسبب تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرتها على الموصل ومناطق أخرى من العراق لا سيّما من محافظة نينوى. فلجأ هؤلاء إلى إقليم كردستان الذي اعتبروه الملاذ الآمن، لا سيّما وأنّ قوات البيشمركة قد استقبلتهم وقدّمت لهم المساعدة، ليس فقط من العراق بل من سوريا أيضًا حيث هناك عشرات المخيمات في كردستان لإيوائهم وخصوصا الاخوة الايزيدين الوافدين من سنجار، فهم حتّى اليوم موجودون في المخيمات."
كما تؤكّد أوديشو أنّ حكومة الاقليم "قدّمت لكرد شمال شرقي سوريا الخدمات كافّة بدون مقابل. وأنشأت مدارس خاصة لهم لحين عودتهم الى مناطقهم بعد تحريرها وإعمارها وتأهيلها. لذا، فإنّ إقليم كردستان يعدّ وجهة الاكراد السوريين وللمكونات الأخرى في العراق كالمكون المسيحي."
وتجدر الإشارة إلى أنّ أغلبيّة المجموعات الحضاريّة من غير الاسلاميّة قد غادرت العراق مقابل نسبة قليلة جدًّا تعيش الآن في الاقليم. فأغلبية الدول في العالم قد أشادت بدور كردستان ودور الرئيس مسعود بارزاني والحكومة في استقبال اللاجئين والنازحين، وفي دور البيشمركة مع التحالف الدولي لتحرير المناطق المحتلة من قبل تنظيم داعش.
ولحظت أوديشو أنّ وجود اللاجئين و النازحين في كردستان مستمرّ لليوم، وذلك لعدم وجود الامن و الامان في مناطقهم، وخصوصا في سنجار وسهل نينوى حيث تنعدم الخدمات في بعض بلداته.
لذا، هنالك العشرات من العوائل قرّروا العيش و الاستقرار في كردستان، وآخرون ينتظرون أن يعودوا بعد استقرار مناطقهم أمنيًّا، وتوفير الخدمات ومتطلبات الحياة.
وشدّدت أوديشو أنّه "على الحكومة العراقية الاسراع بإعمار وتأهيل المناطق المنكوبة جميعها، من حيث البنى التحتية وتعويض الأهالي بشكل عادل من أجل البدء بحياة جديدة تحفظ بها الدولة كرامة أبنائها.
بين العودة والبقاء ضيوفًا مكرَّمين
ومع العلم، هذه العودة المرجوّة لا يمكن أن تحدث إلا بعودة السلام وحدوث عملية مصالحة. وحتّى الساعة لم يعرف العراق هذا الاستقرار؛ ما يعني عمليًّا صعوبة تحقيق هذه العودة. وحتى في هذه الحالة، فربما لم يعد الوطن كما كان في سابق عهده. فالتغيير الذي لحق بمناطق وجود هذه الأقليّات يعتبَرُ تغييرًا في أيديولوجيّة الوجود.
وأيا كانت الأموال التي استثمرت في المساكن والخدمات والبنية التحتية الحيوية، التي ما زالت تعتبر من دون المستوى المطلوب. فافتقار السكان الذين صمدوا في أماكن وجودهم التاريخي إلى أدنى الخدمات الحياتيّة لا يشجّع الذين نزحوا عن أرض آبائهم وأجدادهم إلى العودة. فهم حيث يوجدون اليوم، أي في إقليم كردستان، يلقون أفضل أنواع الخدمات. فلن يعود إلا من يشعرون بالأمان، وقد لا يكونون هم أنفسهم الذين شُرِّدوا أساسًا.
وممّا قاله تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "كان تدمير المباني فيما لا يقلّ عن 47 قرية غالبية سكانها من السنة ممنهجًا ومدفوعًا بالثأر ويرمي إلى تغيير التركيبة السكانية في محافظات صلاح الدين وكركوك العراقيتين اللتين عرفتا بتنوعهما الطائفي".
فالتهجير العرقي الذي يحدث في جنوب وشمال بغداد لتعزيز الغالبية الشيعية في هذه المناطق، لا يبدو أن هناك رغبة في نقل المعارك إلى المحافظات السنية غربي البلاد. ولعلّ هذا المخطّط هو نفسه الذي يمتدّ من طهران مرورًا ببغداد وصولاً إلى سوريا ولبنان.
والبديل في العراق عن الذين ينزحون من المناطق التاريخية للوجود المسيحي أو حتّى الإيزيديين هو الميليشيات الشيعية التي يظلّ استخدامها في المناطق ذات الكثافة السكانية السنية يمثل إشكالية كبرى. ناهيك عن أنّ هذه الميليشيات تعتبر الغريبة عن هذه الأرض ومجرّد وجودها في الأراضي التي لا تنتمي إليها حضاريًّا يشكّل تهديدًا بالنسبة إلى أهل هذه الأرض الأصليّين.
فهذا الشعور بالغربة من قبل أهل الأرض لدى رؤيتهم هؤلاء يسألونهم عن بطاقاتهم لدى مرورهم لا يمكن حتّى مجرّد تخفيفه. ولعلّ هذا ما يجعل بعض الذين نزحوا بالتفكير مليون مرّة قبل عودتهم إلى أراضيهم الأصليّة. وذلك لأنّم قد تعرّضوا لعمليّات تطهير عرقي، وهؤلاء النّاجون من الموت سيشكّلون استمراريّة لهذا الوجود إن نجحوا بإتمام العودة. إلا إن كانت هذه الأنظمة تسعى إلى تحقيق هذه العمليّات عبر الزمن، ما سيقود المنطقة إلى عقود من الاضطرابات، وليس في العراق وحسب.