في كتابه الشهير عن لبنان وصف المؤرّخ اللبناني الكبير كمال الصليبي لبنان ب" بيت بمنازل كثيرة "، وهذا الوصف ينطبق كثيرًا على الواقع اللبناني بعد الإنتخابات النيابية، حيث انقسمت الكتل النيابية إلى مجموعات متعدّدة وغير منسجمة ولا تجتمع على مشروع سياسي موحّد أو رؤية اقتصادية مشتركة لانقاذ لبنان من أزماته المختلفة، ممّا يضع لبنان واللبنانيين أمام تحديّات كبرى في المرحلة المقبلة.
وفي مواجهة هذه التحديات والانقسامات تتوالى المبادرات الفكرية والمجتمعية والدينية لانقاذ لبنان واستعادة وحدته وتعزيز خيار التعاون والعمل المشترك والإيمان بلبنان كرسالة رجاء وأمل، بدل أن يكون ساحة للصراعات والانقسامات السياسية والفكرية والطائفية.
ومن هذه المبادرات الهامة المؤتمر الذي دعت اليه في الثامن من شهر حزيران/يونيو رابطة كاريتاس لبنان بالتعاون مع الرهبانية المارونية المريمية واللجنة الأسقفية للحوار المسيحي – الاسلامي وبرعاية صاحب غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي تحت عنوان: "بيتنا المشترك، لبنان الرجاء"، وذلك بمناسبة مرور 25 سنة على زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان وإطلاق الارشاد الرسولي تحت عنوان: رجاء جديد للبنان .
ويعقد المؤتمر في قاعة البطريرك الراعي في دير سيدة اللويزة في ذوق مصبح وذلك في الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء في الثامن من حزيران/يونيو، ويشارك فيه قيادات الطوائف اللبنانية وعدد كبير من الشباب اللبنانيين من مختلف الانتماءات، وسينقسم الشباب المشاركون إلى خمس ورش عمل حول المسرح والكوميديا وفن المناقشة والحوار، والفنون والنشاطات المختلفة، وسيعرض في نهاية المؤتمر نتائج ورش العمل وإطلاق مبادرة مشتركة تحت عنوان: pay it forward.
وستلقى في المؤتمر كلمات لكل من البطريرك الراعي، ومنسق شبيبة كاريتاس بيتر محفوظ، ورئيس رابطة كاريتاس الأب ميشال عبود الكرملي، ورئيس عام الرهبانية اللبنانية المريمية قدس الاباتي بيار نجم، ورئيس اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي – الإسلامي المطران شارل مراد، ويتولّى متابعة وتنسيق أعمال المؤتمر لجنة مشتركة برئاسة الدكتور جوزيف معوض.
تكمن أهمية هذا المؤتمر أنه يوجّه رسالة لبنانية جديدة للداخل والخارج انه بامكان اللبنانيين أن يلتقوا ويتحاوروا حول كل الموضوعات والملفات رغم الانقسامات السياسية والطائفية، وهو ينضم إلى المبادرات الأخرى التي اطلقت في الأشهر الماضية بدعم ورعاية فاتيكانيّة لتأكيد وحدة لبنان وكونه رسالة رجاء وأمل في مواجهة الظروف والتحديات المختلفة، وإضافة لهذه المبادرات تستعد عدة مجموعات لبنانية لاطلاق ورش عمل ومؤتمرات متنوعة لبحث مستقبل لبنان وكيفية مواجهة التحديات الجديدة ولا سيما بعد الانتخابات النيابية والتي أدت الى نتائج مفاجئة للجميع في الداخل والخارج، وهذه المبادرات اللبنانية تسعى لملاقاة الجهود التي تبذلها بعض الجهات والدول الاقليمية والدولية لاطلاق مؤتمر أو حوار لبناني – لبناني لبحث مختلف القضايا الخلافية.
فهل ستنجح هذه المبادرات الحوارية في حماية لبنان من الضغوطات المختلفة داخليًا وخارجيًا؟ أم سيبقى هذا الوطن ساحة للصراعات السياسيّة والاقليمية والدولية؟
التحديات كثيرة والمخاوف كبيرة في ظل التطورات الجارية سواء بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية القاسية والتي تركت وتترك نتائج خطيرة على الأوضاع الأمنية والمعيشية، أو بسبب الصراعات الدولية والاقليمية والتي تترك انعكاساتها المباشرة على الوضع اللبناني رغم إرادة اللبنانيين .
لكن يبقى الأمل والرجاء أن تساهم هذه المبادرات اللبنانية والتي تحظى بدعم ورعاية فاتيكانيّة في تخفيف التوترات وتعزيز ثقة اللبنانيين بوطنهم كي يبقى لبنان بيتنا جميعًا ورسالة للرجاء.