كتب ناجي يونس في جسور:
مطلع أيلول/سبتمبر الجاري دخل لبنان المهلة الزمنية الممتدة دستوريًا لشهرين حتى نهاية تشرين الاول/اكتوبر المقبل والمخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس اللبناني الراهن العماد ميشال عون.
أسئلة كثيرة بدأت تطرح نفسها وستحدد الاجابات عنها مستقبل لبنان وشعبه في الامدين القصير والمتوسط.
ويقف لبنان اليوم على شفير الانهيار بعدما عزل نفسه سياسيًا عن أشقائه العرب والتصق بالممانعة وتحالف مع ايران وكاد ان يخرج من الشرعية الدولية.
وبعد ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر وتفجير مرفأ بيروت والانتخابات النيابية الأخيرة وعجز المنظومة الحاكمة عن معالجة أي ملف أو مواجهة أي استحقاق او خطر داهمين بدءا من التخبط في اقرار الموازنة العامة والاصلاحات الشاملة والجذرية والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وسلسلة القوانين والأنظمة المرعية الاجراء لانتشال لبنان من الكارثة التي حلت به وصولا الى خطر المجاعة.
تشكّل انتخابات الرئاسة الاولى بوابة عبور الى التحوّل المفصلي في مسار الأمور على الساحة اللبنانية باتجاه استعادة الثقة مع الداخل والمغتربين كذلك مع المجتمعين العربي والدولي والجهات المانحة.
هذا الاستحقاق مفصلي لأنه سيؤدي اما الى زرع الامل بانهاض لبنان من كبوته اما الى استكمال مسار السقوط الجهنمي الكبير والنهائي.
ويجمع المتابعون على أن المطلوب من العهد المقبل رئيسًا وحكومة ومجلسًا نيابيًا مع سائر المؤسسات والمسؤولين على مختلف المستويات الإسراع باقرار المسار الانقاذي ضمن رؤية متكاملة وتدابير فعالة وهو ما يشكل مطلب الاكثرية الساحقة من اللبنانيين وما يلقى التأييد عربيا ودوليا واغترابيا.
الا ان حسابات الحقل مختلفة تمامًا عن حسابات البيدر حيث يتخوّف هؤلاء المتابعون من الأنانيات والسلبيات المتحكمة بحسابات الطبقة الحاكمة التي توشك على ايقاع لبنان في فراغ رئاسي للمرة الثالثة في ظل الجمهورية الثانية ولا احد يدرك كيف ستتطور الامور سلبًا بكل الاتجاهات.
وتكمن الخشية الكبرى في ان انزلاق لبنان الى المحظور سيكون أسرع وأكثر خطورة اذا ما وقع الفراغ الرئاسي وفي ظل حكومة تصريف اعمال وحيث لن يكون هناك طرف خارجي واحد عربي او دولي مستعدًا من الناحية العملية للحد من الانهيار الدراماتيكي الذي قد يقع والحالة هذه، كيف اذا كان ذلك كله سيحصل وسط ارتباط لبنان بأجندة حزب الله وحسابات ايران في الاقليم؟
هل سيقع الفراغ للمرّة الثالثة في ظل الطائف؟
قد يكون الفراغ الرئاسي من أكثر المحطات الهدامة في ظل الجمهورية الثانية وهو ما حدث مع انتهاء ولايتي الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان عامي 2007 و2014.
وتظهر المعطيات الراهنة وبغياب اي تفاهم خارجي على التسوية الداخلية اللبنانية ان لبنان يمر بمرحلة من التوازن السلبي ليس مستبعدًا على الاطلاق ان تؤدي الى الفراغ الرئاسي.
ومن ابرز هذه المعطيات ان الاتفاق النووي لم ينضج بعد وان التفاهم على ترسيم الحدود جنوبًا لا يزال مدار أخذ ورد وان مجلس النواب اللبناني كناية عن مجموعة من الاقليات.
والمعروف ان التفاهم السوري الاميركي كان يفرج في ظل السيطرة السورية عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية واليوم استبدل بتفاهم ايراني اميركي.
حظوظ باسيل وفرنجيه وحزب الله
وتختلف الصورة الرئاسية الراهنة تماما عما كانت عليه بين العامين 2014 و2016 اذ يتعذر على حزب الله وحلفائه خوض المعركة الرئاسية بمرشح واحد وحسم الخيار بين رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيه او الذهاب الى مرشح ثالث.
وتشير اوساط مطلعة الى ان حظوظ باسيل شبه معدومة بسبب الفيتو الداخلي والخارجي عليه (بدءا من العقوبات الاميركية المفروضة عليه الى جانب رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري وجزء كبير من قوى 8 آذار السير به مرشحا رئاسيا باسمها.)
في المقابل لم يظهر بعد كيف سيسير باسيل بالمعركة الرئاسية و قد يلجأ الى طرح اسماء عدة من باب التسوية بينها نواب حاليون في تكتله (يتم التداول في الكواليس باسم النائب فريد البستاني) او وزراء حاليون محسوبون عليه او وزراء سابقون مقربون منه بشكل او بآخر.
من هنا تؤكد الاوساط عينها ل"جسور" ان معادلة الرئيس القوي سقطت نهائيا حتى ان حزب الله بدأ يبحث جديًا وان على طريقته وبمعاييره عن ترتيبات تسهل وصول رئيس غير صدامي يقول عنه انه يجب ان يكون صديقا للحزب والمقاومة وله صداقاته مع الجميع في الداخل والخارج ويكون قادرا على قيادة المرحلة المقبلة بكل ما فيها من تناقضات وتحديات ومخاطر... ويتم التداول في الكواليس باسم الوزير الاسبق ناجي البستاني.
وكان لافتا ما ذكره الدكتور فارس سعيد لناحية ان حزب الله سيرشح قاضيًا كبيرا من قضاء جبيل.
وبهذا يكون حزب الله تراجع عن خيار فرض مرشح وحيد مثلما تعاطى مع ترشيح العماد ميشال عون وفتح الافق امام اي تسوية على شخصية مقبولة من معظم الاطراف بغض النظر عما اذا كان سيدعم انتخابها او لا... فالاهم انه لن يعرقل وصولها حين تنضج الظروف وتدق ساعة الافراج عن انتخابات الرئاسة الاولى.
وبتقدير الاوساط عينها ان بري كان حاسما في قطع الطريق على حظوظ باسيل بالرئاسة الاولى وان قوى 8 آذار تدرك ان تسويق ترشيح فرنجيه اسهل الا ان ايصاله الى قصر بعبدا دونه صعوبات كبرى.
وهنا يكمن عجز قوى 8 آذار عن تكرار تجربة عام 2016 وان كانت احسنت مطلع الصيف الجاري ومع انطلاقة ولاية البرلمان الراهن في رص صفوفها والاستفادة من عدم توحد الكتل النيابية الاخرى وتمكنت من ايصال نائب رئيس مجلس النواب الياس ابو صعب ب65 نائبا كذلك في انتخابات هيئة مكتب مجلس النواب واللجان النيابية.
الرّئيس السيادي والاصلاحي وغير الصدامي بين المطالبة والواقع
في الضفة الثانية تسعى الأطراف السيادية والمستقلة والاصلاحية والتغييرية الى توحيد الرؤى ورص الصفوف اذا امكن حول تصور موحد للعهد المقبل وصولا الى محاولة الخروج بتفاهم واضح لخوض المعركة الرئاسية اقله او على مرشح موحد في احسن الاحوال.
لبننة الاستحقاق الرئاسي في حسابات كل هذه الاطراف والكتل النيابية يعني الانكباب على تسهيل وصول شخصية اصلاحية نظيفة الكف وكفوءة وسيادية وغير صدامية تؤمن بمشروع الدولة ويسهم انتخابها باحداث الصدمة المطلوبة داخليا واغترابيا وعربيا ودوليا بالتالي استعادة الثقة لاطلاق المسار الانقاذي.
وفي هذا الاطار اطلق تكتل نواب التغيير مبادرة رئاسية وسبق لكل النواب السياديين والاصلاحيين والتغييريين والمستقلين ان اطلقوا النداءات وشددوا على ضرورة لبننة الاستحقاق والاستفادة من هذه الفرصة لاطلاق المسار الانقاذي.
وتتوقف الاوساط عينها عند اكثر من معطى من هذا القبيل أبرزها:
-انطلاق الترشيحات رسميا مع السفيرة السابقة ترايسي شمعون و يوم الاربعاء المقبل مع المفكرة والناشطة الاغترابية مي الريحاني من فندق البستان في بيت مري...وقد تكر السبحة قريبا.
-الى جانب الترشيحات العلنية والرسمية يتم التداول في الكواليس الدبلوماسية والسياسية وعبر الاعلام بعدد من الاسماء وعلى رأسها:
الوزير الاسبق جهاد ازعور والمصرفي الدولي سمير عساف والنواب نعمة فرام وميشال معوض وميشال الدويهي والوزير الاسبق السفير ناصيف حتي والسفير السابق ناجي ابي عاصي و سليم اده...
-اما قائد الجيش العماد جوزف عون فهو يرفض مفاتحته في موضوع ترشيحه للرئاسة.
الا ان الرأي يستقر على انه اذا وقع الفراغ وطرأت مستجدات وظروف استثنائية فسيصبح ترشيح قائد الجيش ضرورة ملحة وسيسهل تعديل الدستور خصيصا لذلك.
وتوضح الاوساط ان هناك من يرى انه وبعد وقوع الفراغ الدستوري على مستوى الرئاسة الاولى تسقط المهل الزمنية المتعلقة باستقالة موظفي الفئة الاولى وبينهم قائد الجيش ليحق لهم الترشح لمناصب عليا وفي طليعتها رئاسة الجمهورية.
وتشير الى ان انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية يشكل سابقة من هذا القبيل مؤكدة في الوقت نفسه انه حين تحتم الظروف انتخاب قائد الجيش فسيسهل الاتفاق وطنيا على تعديل الدستور خصيصا لذلك.
الاحتمالات الرئاسية
وحسب الاوساط فان المشهد الرئاسي يقف امام الاحتمالات الآتية:
1-تعاظم الضغوط الداخلية بسبب الازمات المتتالية وتلك الخارجية مع حدوث تطورات ايجابية خصوصا بين الجانبين الاميركي والايراني مما سيؤدي الى انتخاب رئيس للمرحلة المقبلة قبل 31 تشرين الاول المقبل.
وهنا يجب التوقف عند طبيعة علاقة الرئيس العتيد بحزب الله.
2-تعذر الاتفاق داخليا على رئيس وغياب اي ايجابية خارجية والدعوة الى جلسة او اكثر لانتخاب رئيس جديد سيستحيل فيها تأمين اغلبية الثلثين لمرشح واحد في اي من الدورات التي ستجرى مع تطيير النصاب حين سيتضح لاي من الفرقاء ان تكتلا قد يحظى بعد الدورة الاولى بغطاء النصف زائدا واحدا مما سيسهل عليه ايصال مرشحه مما يستدعي تطيير نصاب الثلثين.
وفي هذه الحالة سيكون لبنان امام فراغ رئاسي بوجود حكومة تصريف أعمال مما سيستدعي برأي الاوساط الاسراع بتشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي ستنتقل اليها صلاحيات الرئاسة الاولة وكالة ريثما يتم انتخاب رئيس جديد.
وفي هذا الاطار تؤكد الاوساط ان الرئيس ميشال عون لن يبقى دقيقة واحدة في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته وان حكومة تصريف الاعمال قادرة على ممارسة صلاحيات الرئاسة الاولى بفعل الظروف الاستثنائية وعلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.
وبرأي الاوساط ان بري حسم الجدل حول ان حكومة تصريف الاعمال قادرة على القيام بدورها حين يقع الفراغ وتنتقل صلاحيات الرئاسة الاولى وكالة الى مجلس الوزراء مجتمعا.
وترجح الاوساط ان يمارس حزب الله الضغوط على رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة المكلف نجيب ميقاتي للاسراع بتشكيل الحكومة من خلال ادخال تعديلات على الحكومة المستقيلة واصدار مراسيمها قبل 31 تشرين الاول اذا كان الفراغ سيقع وتفاديا لاي وجع رأس من البوابة الدستورية قد يتسبب به التيار الوطني الحر.
وحسب الاوساط فان مجلس النواب يتحول هيئة ناخبة في آخر 60 يوما من ولاية رئيس الجمهورية الا ان الممارسة في عهود بري المتتالية تنبيء بان الاجتهاد حاضر لمناقشة مجلس النواب البيان الوزاري لاي حكومة قد يشكلها ميقاتي ومنحها الثقة قبل 31 تشرين الاول المقبل.
3-بعد الفراغ الرئاسي سيكون متعذرًا من اليوم ترجيح الاحتمالات لكنها ستكون بين ثلاثة: الذهاب الى الاتفاق على رئيس مدني او الذهاب الى ترشيح قائد الجيش...وهو ما قد يحصل في فترة زمنية غير بعيدة وما قد يطول وينتهي بتفاهم داخلي مثلما حصل مع التسوية الرئاسية خريف عام 2016 او بتسوية معينة برعاية خارجية مثلما حصل في الدوحة عام 2008.
إشارة الى أن الدعوة الى انتخاب رئيس جديد محصورة بيد بري والى أن نصاب الثلثين في كل الجلسات الانتخابية كرّس بالممارسة لا بالنص الدستوري وهو ما استفاد منه بري من باب الميثاقية وحيث وافق البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير على ذلك تفاديا لاي تشكيك بشرعية رئيس الجهورية ولئلا تتشكل اكثرية 65 نائبا لا تعكس صحة التمثيل المسيحي او الوطني وتنتخب رئيسا.
وتشير الأوساط عينها الى أن اطرافا كثيرة تخالف مبدأ الزامية نصاب الثلثين في كل الجلسات الانتخابية وان كان يمكن انتخاب رئيس باكثرية 65 نائبا في الدورات الانتخابية بعد الاولى.
الا أن بري فرض هذا العرف مثلما ذهب اليه التيار الوطني في مخالفة للدستور انما تمت ممارسته عمليا بالنسبة الى حتمية التشاور للاتفاق على شخصية يتم تكليفها تشكيل الحكومة قبل اجراء الاستشارات النيابية الملزمة على هذا الصعيد.
وتختم الاوساط مؤكدة ان سلاح التعطيل سيكون الامضى بيد الكتل بغياب التفاهم داخليا وخارجيا مما سيفتح الاحتمالات الرئاسية في كل الاتجاهات بينها الفراغ والمجهول.