كتب ناجي يونس في جسور:
تدخل موازنة العام 2022 في لبنان حيّز التنفيذ قبيل منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري متأخرة لأشهر عدّة عن موعدها الدستوري السنوي المعتاد نهاية يناير/كانون الثاني.
وزاد من تأخرها امتناع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عن توقيعها عشية انتهاء عهده بعدما وقع عليها كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي.
وقد مرّ لبنان لسنوات طوال من دون موازنة معتمدًا على القاعدة الاثنتي عشرية في الانفاق، حتى اقر اكثر من موازنة في العهد الجاري.
وستنطلق موازنة 2022 وسط مشهد لبناني معقد جدًا ينذر بالاسوأ بعدما دخل فراغًا رئاسيًا وتعذّر تشكيل حكومة تناط بها صلاحيات الرئاسة الأولى وكالة ريثما ينتخب رئيس جديد.
ويتخوف المراقبون من التشنج والشرذمة وتصاعد خطاب الكراهية والتحريض، وصولا الى الخشية على الكيان برمته اذا طال الفراغ وطغى منطق التصعيد والتعطيل الى نهاية المطاف.
لزوم ما لا يلزم
تختلف المواقف من هذه الموازنة فهناك من يعتبر أن إقرارها ضروري جدًا مهما كانت الظروف إذ لا يجوز الا تكون للدولة موازنة وان بلا قطع حساب، فالظروف الاستثنائية تتطلب خطوات مماثلة حتى لو كانت عرجاء.
في حين يرى البعض الآخر انها لزوم ما لا يلزم كونها دفترية ووهمية ويتيمة ومنقطعة عن تلبية متطلبات الدولة ومواكبة العجلة الاقتصادية وحاجيات الاستثمار والانماء ووجع الناس، الى جانب انسداد الافق امام اي مسعى جدّي للاصلاح الجذري والمحاسبة وملاقاة التغيير المنشود والحيوي.
لا بل يقر الرأي على انها ستسهم في التضخّم والانكماش الاقتصادي والتردي الاجتماعي.
موازنة التضخم والانكماش
وفي أرقام الموازنة، قدرت النفقات بحوالي 40 ألف مليار ليرة والواردات بحوالي 30 ألف مليار ليرة مع عجز يبلغ 10 آلاف مليار ليرة.
وستترافق الموازنة مع رفع الدولار الجمركي الى 15 الف ليرة كذلك أجور موظفي القطاع العام 3 أضعاف مع ادخال زيادات على الرسوم والضرائب.
وبهذا يراهن المسؤولون على عائدات الدولار الجمركي وسائر الرسوم مع الضريبة على القيمة المضافة لتحقيق الواردات المتوقعة.
الا أن الخبراء والمتابعين أكدوا ان هذه الارقام لن تتحقق، بل تتركز مخاوفهم على تسبب الموازنة بزيادة التضخم وارتفاع معدل الركود الاقتصادي والانكماش والبطالة على حد سواء.
برأي بعضهم انه لو اكتفى المسؤولون برفع الدولار الجمركي من دون رواتب القطاع العام لكانت الواردات ربما تحققت بنسبة مقبولة، بالتالي لكان التضخم استمر بمستويات شبه معقولة.
الا ان رفع الاجور تحت اي مسمى كان وبغياب تحقق الواردات المتوقعة سيفضي حكما الى زيادة واقع التضخم.
الجدير بالذكر أن السلطة اللبنانية كانت لجأت عام 2017 الى زيادة سلسلة الرتب والرواتب من دون رصد الواردات الكافية مما تسبب بتسريع وتيرة الانهيار الاقتصادي والركود المالي والتضخم الاجتماعي.
الجدير بالذكر أيضًا أن الكتلة النقدية بالليرة تزيد اليوم على 70 الف مليار ليرة وان الكتلة بالدولار لا تصل الى 11 مليار.
وفي ظل الواقع القائم ستؤدّي الزيادة على الاجور حكمًا الى ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار مقابل الليرة والى اضافة الاعباء على المواطن والدورة الاقتصادية على حد سواء.
ويؤكد الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي انه قبل التخفيف من الهوة بين هاتين الكتلتين فلا جدوى من اي زيادة للأجور.
في المقابل سيشجع رفع الدولار الجمركي أكثر على التهرب الضريبي ممّا سيوسع من حجم الاقتصاد غير الشرعي على حساب الاقتصاد الشرعي.
وسيسهم هذا الأمر مع رفع الرسوم والضرائب كذلك في تعزيز الانكماش والركود الاقتصادي وتردي المستوى الاجتماعي بعدما تراجع الناتج القومي الى حوالى 20 مليار دولار واصبح معدل النمو سلبيا للغاية.
إشارة الى أن التصدير لم يبلغ 5 مليارات دولار والى ان الاستيراد قد يلامس 13 مليار دولار جزء منه يهرب الى الداخل السوري.
وحسب يشوعي فان الثقة مفقودة بالمسؤولين والطبقة السياسية والقيّمين على القرار المصرفي والاقتصادي مشيرًا الى ان الانهيار كامل وعلى مختلف المستويات.
ويضيف لجسور: "ان الافلاس السيادي للبنان أصاب قطاعيه الخاص والعام وجهازه المصرفي ممّا عزله عن العالم الخارجي اقله على المستوى المالي."
وفي حين تسهم المساعدات الخارجية من بعض الحكومات والمنظمات والجمعيات والاغتراب في دعم صمود العائلات وجزء من المؤسسات والقطاعات والمشاريع.
وفي حين تحقق قطاعات انتاجية نجاحات ملموسة في التوسّع داخل لبنان وخارجه.
جرس الانذار
المتابعون مع الحكومات والمنظمات الأممية قرعوا جرس الانذار وأبرزوا المخاطر المحدقة بلبنان دولة وشعبا على مختلف الصعد.
و يحذر يشوعي من مغبة اللامبالاة لدى المسؤولين حيال تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والقطاعية وتعاظم الفقر والعوز والبطالة وقرب سقوط القطاعين التربوي والاستشفائي مع نزيف الهجرة خصوصًا بين الطاقات والشباب.
في المحصلة يقف لبنان امام مخاطر وجودية ستفرض على اللبنانيين واقعًا مؤلمًا بكل الاتجاهات والابعاد مع مطلع العام المقبل اذا لم يسارع المسؤولون لانتخاب رئيس سيادي واصلاحي قادر على لم الشمل الداخلي واعادة بلاد الارز الى عمقها العربي وكنف الشرعية الدولية.