أثار الإتفاق حول الترسيم البحري غير المباشر بين لبنان والكيان الصهيوني بوساطة أميركية الكثير من ردود الفعل وعلامات الاستفهام والاسئلة، سواء في لبنان او في داخل الكيان الصهيوني او على الصعيد العربي والاقليمي والدولي.
وتنوعت ردود الفعل وخصوصا في الداخل اللبناني، بين مرحب به ومن اعتبره انجازا تاريخيا ووطنيا، وبين من ندّد به واعتبره تنازلا عن الحقوق الوطنية، فيما وصفه البعض بانه أسوأ من اتفاق 17 ايار / مايو الذي وقع بين السلطة اللبنانية والكيان الصهيوني في 17 ايار / مايو 1983 برعاية أميركية، وآخرون اعتبروه اتفاقا للترسيم البحري يمهّد للتطبيع الاقتصادي بين لبنان والعدو الصهيوني وأنه سيؤدي لاضعاف دور ايران وحزب الله في لبنان، كما نشرت مقالات ودراسات عديدة تضمنت انتقادات لبعض بنود الاتفاق، في حين هددت بعض الشخصيات الاكاديمية والوطنية بالدعوة لمحاكمة الرؤساء الثلاثة والمسؤولين عن الاتفاق بتهمة الخيانة العظمى والتخلي عن الثروات الوطنية، وركزت بعض ردود الفعل على التنديد بالسلطة الفاسدة اليوم والتحذير من عدم قدرتها على ادارة الثروة الغازية والنفطية وكذلك استغلالها لهذا الاتفاق لتعزيز موقعها ودورها اليوم ومستقبلا.
لكن بعيدا من كل هذه السجالات، وبانتظار تحول هذا الاتفاق الى خطوات عملية وفي حال لم يحصل أي تخريب اسرائيلي له عند بدء التنفيذ او بعد الانتخابات النيابية في الكيان الصهيوني، لا بد من تسجيل بعض النقاط المهمة حول الإتفاق ودلالاتها داخليا وخارجيا، وما يمكن ان يؤدي اليه من تسويات في المستقبل وحول دور حزب الله على الصعيد اللبناني في المرحلة المقبلة، ويمكن تسجيل النقاط التالية:
اولا: لقي الاتفاق ترحيبا دوليا واقليميا وعربيا، تمثل بالاتصالات التي اجريت مع الرئيس اللبناني العماد ميشال عون والمسؤولين اللبنانيين، وبالمواقف التي اطلقت من قبل مسؤولين دوليين وعرب، وكذلك اعلان دولة قطر الاستعداد للدخول في عمليات التنقيب عن الغاز والنفط، والاهتمام الفرنسي ببدء شركة توتال العمل في لبنان ومعالجة المشكلة المالية مع الكيان الصهيوني، ومسارعة وزيرة الخارجية الفرنسية لزيارة لبنان والترحيب بالاتفاق ومتابعة الملف اللبناني، وكل ذلك يؤكد أهمية هذا الاتفاق ودلالاته، وهناك اهتمام اميركي واوروبي كبير بالبدء بالتنفيذ.
ثانيا: يعتبر الاتفاق نموذجا عمليا للاستراتيجية الدفاعية الوطنية، من حيث التنسيق والتعاون بين السلطة اللبنانية وقيادة المقاومة الاسلامية وحزب الله، واستفادة المفاوض اللبناني من دور المقاومة وتهديداتها لتحسين الشروط والمطالب، وكذلك التزام حزب الله بسقف الدولة اللبنانية ومطالبها، وكل ذلك يؤكد امكانية التوصل الى رؤية مشتركة حول الاستراتيجية الدفاعية الوطنية مستقبلا.
ثالثا: كشف الاتفاق وكيفية مقاربة حزب الله له، بان الحزب يعطي الاولوية اليوم للمصالح اللبنانية ولم يستخدم الخلاف حول استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش في الصراعات الاقليمية والدولية، فرغم ان هذا الاتفاق سيلبي مصالح اميركا واوروبا في مواجهة الصراع مع روسيا وسيريح الاوروبيين، ورغم تعثر الاتفاق حول الملف النووي الايراني بين ايران واميركا، فان ذلك لم يؤد الى عرقلة الاتفاق من قبل الحزب بل كان مساعدا ومسهّلا له، مما يؤكد ان الحزب يطعي اليوم الاولوية للملف اللبناني على حساب الصراع الاقليمي والدولي.
رابعا: سيؤدي هذا الاتفاق او التفاهم لفتح الباب امام التسويات في الملفات اللبنانية الاخرى ولا سيما الملف الرئاسي، وسيكون خيار التسوية ووصول رئيس توافقي او تسووي على حساب أي خيار اخر، مما سيعطي للرئيس نبيه بري وحزب الله وحلفائهما دورا مهما في أي تسوية مقبلة وسيدفع الاوروبيين وبعض الجهات الدولية والاقليمية والعربية للتعاطي بمرونة مع الوضع اللبناني، وقد شهدنا اخيرا تسوية سريعة للوضع السياسي في العراق وتراجع حدة الاستنفار السياسي والامني.
خامسا: على الصعيد الاقتصادي والمالي وامور الغاز والكهرباء والفيول قد نشهد مستقبلا بعض الخطوات الايجابية تريح اوضاع البلد، وان كان بعض الاوساط السياسية والدبلوماسية يربط ذلك بنتائج الانتخابات الرئاسية ونهاية عهد الرئيس العماد ميشال عون.
وفي الخلاصة نحن اذا امام مرحلة سياسية جديدة في لبنان والمنطقة، ورغم التأزم الإقليمي والدولي فان هذا الاتفاق سيفتح الباب امام مرحلة جديدة في لبنان، وسيكون لحزب الله دور اكبر في التسويات المقبلة تحت شعار: لبنان اولا.