كتب فادي شهوان في جسور:
أثبتت الأزمات المتلاحقة منذ العام ٢٠٠٤ أي بعد انتهاء الدور السوري في لبنان العسكري والسياسي وتفرّد حزب الله بالقرار، أن المشكلة ليست بالترسانة الصاروخية والأسلحة الفردية والمئة الف جندي الذي يتغنى بهم حزب الله فحسب، بل بالثقافة والعقائد الجديدة وحتى الشعائر الدينية التي يستقدمها الحزب من خارج الحدود.
لاشك أن الخلاف حول نزع سلاح حزب الله يعود الى العام ٢٠٠٠ تاريخ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان، حيث يعتبر الفريق المناهض للحزب أن سلاحه لم يعد له حجة للبقاء، فيما الاشكالية الحدودية على لبنانية مزارع شبعا متعلّقة بالجانب السوري.
حزب الله لا يعترف بلبنان
بعد سنوات طويلة من سياسات ربط النزاع بين من يرفض مبدأ السلاح ومن يتمسك به، بدا الاعتقاد سائدًا لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين بان المشكلة مع الحزب ليس على السلاح فحسب بل إن الخلاف المركزي هو على الهوية اللبنانية بعد استقدام هويات من خارج الحدود، فحزب الله بنظرها ليس مشروعًا غير لبناني فحسب، بل هو مشروع معاد للبنان.
وترى أن هناك أوجه شبه بين حزب الله وحزب البعث السّوري، إذ يمارسان سياسة التقية والباطنية فيما يضمران مشاريع خطيرة، فكما يركز الخطاب البعثي على العروبة والتقدم، الا ان جوهر سياسته هو حكم الطائفة على الوطن وحكم العائلة على الطائفة، كذلك يركّز حزب الله في خطاباته على مبادىء المقاومة والممانعة وإزالة اسرائيل من الوجود، فيما مشروعه هو حكم الطائفة على الوطن، وبالتالي، من خلال تمسّكه بعدم تسليم السلاح ينفي حق الدولة بالوجود لأن الدولةالتي لا تملك حصرية السلاح هي ليست دولة، والوطن الذي ليس لديه جيش واحد هو ليس وطنًا، عمليًا بحسب هذا الفريق فإن الحزب يريد فرض هيمنة طائفيّة تصب في مصلحة المشروع الإيراني ويبقي لبنان ساحة لمغامرات إيران، لكن الجزء الأكبر من الطائفة الشيعة لا يقبل مشروع حزب الله، تجيب أوساط داخل الفريق المناوىء للحزب، ان الواقع في السياسة هو أرقام وليس تمنيات، مذكرة بأن حزب الله وحركة أمل حصدا حوالي ٩٥٪ من أصوات الشّيعة في انتخابات أيار/مايو ٢٠٢٢ وان كانت نسبة المشاركة حوالي ال ٤٠ ٪ وهي نسبة غير متدنية، لكن هذه الأوساط قد تكون غير موضوعية في هذا الوصف متناسية عمليات الترهيب التي كانت تمارس على بعض أبناء الطائفة المناوئين للثنائي.
الفيدرالية لا تنهي ظاهرة السلاح!
معلوم ان الفيدرالية كنظام سياسي دستوري هو حل لنظام تعدّدي اذا كانت كل المكونات متوافقة على هوية لبنان والانتماء اليه والولاء له.. عندها تستطيع هذه المجموعات، على اختلافها، قادرة على تنظيم خلافاتها من خلال نظام فيدرالي.
لكن هذا الحل، كما يرى باحث سياسي، في ظل وجود مكون أساسي يرفض تسليم سلاحه ويرفض الاعتراف بكيانية وفكرة لبنان، لا يصلح نظام الفيدرالي، وأضاف :" اذا كان لديك ولاءٌ للبنان وهويتك لبنانية تأتي الفيدرالية لتقدّم لك حلاً وطريقة لادارة اللعبة السياسية.
من هنا، في حال اصرار حزب الله على سياسته، وإذا بقيت غالبية الطائفة الشيعية مع الحزب وسلاحه ومشروعه، يجب إعادة النظر بالفكرة اللبنانية من أساسها وليس بالنظام السياسي لأن فكرة لبنان باتت مستحيلة.
بحسب هذا الباحث السياسي فإن مشروع حزب الله هو ضد الميثاق الذي كرس من خلاله اللبنانيون عيشهم سويًا في بلد واحد وضد الصيغة التي هي طريقة تنظيم هذا العيش.
اذا مشروع حزب الله اسقط فكرة لبنان ١٩٤٣ وفكرة دولة لبنان الكبير .
ما بعد بعد الفيدرالية
أثبتت الأحداث التاريخية انه كلّما تدخل الاقليم تحوّلت خلافاتنا إلى حرب، اذن لا بد من الحياد عن الصراعات الاقليمية كي تبقى خلافاتنا تعبر عن حالها بشكل تعددية سياسية طبيعية من دون أن تتحول الى حرب.
حزب الله ليس أول مكوّن يرفض الفكرة اللبنانية من خلال استقدام قضايا عابرة للحدود، فإعطاء حرية الحركة للعمل الفدائي الفلسطيني من خلال اتفاقية القاهرة ذبح التجربة اللبنانية لان مكونًا لبنانيًا استقدم قضية عابرة للحدود هي القضية الفلسطينيّة.
في أي حال إذا استمر حزب الله على هذا النهج رافضًا فكرة لبنان، من خلال تمسّكه بسلاحه واستقدام قضايا عابرة للحدود وتحويل لبنان الى أجندة إيرانية مصرًا على توريط لبنان في قضايا أكبر من أن يتحمّلها، عندئذ لن تجد الفيدرالية نفعًا وكذلك الحياد ويجب التفكير بما بعد بعد الفيدرالية.