كتب هشام مهران في جسور:
للمرّة الأولى منذ وصوله إلى السلطة قبل ثماني سنوات، جرت مصافحة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد في العاصمة القطرية الدوحة خلال حضور الرئيسين حفل افتتاح كأس العالم "قطر ٢٠٢٢".
ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه وجهًا لوجه بين السيسي وأردوغان بعد سنوات من توتر العلاقات السياسية بين البلدين وصلت إلى تبادل القاهرة وأنقرة طرد السفراء.
لكن اللافت هو تجاهل الإعلام الرسمي المصري للقاء المباشر الأول بين السيسي وأردوغان كذلك تجاهل الموقع الرّسمي للرئاسة المصرية اللقاء أيضًا ولم يشر إليه على عكس الموقع الرسمي للرئاسة التركية الذي نشر خبر مصافحة الرئيسين مصحوبًا بصورة تظهر حديثا وديًا باسمًا بينهما وبالقرب منهما يقف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وعلى مدى سنوات عقب ثورة ٣٠ يونيو/حزيران ٢٠١٣ وسقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين الحليفة لتركيا تبني الرئيس التركي أردوغان موقفًا عدائيًا صريحًا تجاه نظام السيسي.
ودأب إردوغان على استخدام وصف "الانقلاب" للإشارة إلى قرار الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي بمساندة الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الإخوان المسلمين و إسقاط الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي . كما دأب على انتقاد الأحكام القضائية الصادرة بحق عناصر الإخوان في مصر.
فيما اتهمت مصر تركيا بـ"تمويل الإرهابيين" وإستضافة وتمويل مئات من عناصر الإخوان الهاربين والسماح ببث قنوات ومنصات إعلامية إخوانية من الأراضي التركية تحرض الشعب المصري على التظاهر والثورة ضد نظام الرئيس السيسي بل تم توثيق تدخل تركيا بإدارة عمليات إرهابية في مصر في المسلسل التليفزيوني الشهير "الإختيار" الذي حقق نجاحًا جماهيريًا عريضًا في مواسم رمضان الماضية.
وشهد العام الماضي ٢٠٢١ بدء البلدين مشاورات سياسية على مستوى كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية في محاولة تركية لتخفيف التوتر مع مصر.
لكن وبعد مضي أشهر لم يتحقّق تقدّم يذكر في سبيل تحسن العلاقات حيث سبق وصرح وزير الخارجية المصري سامح شكري بأن مصر ما يزال لديها تحفظات على بعض السياسات التركية في عدد من الملفات خاصة الملف الليبي وهو ما دعا القاهرة لعدم تحديد موعد لزيارة وفد مصري إلى تركيا ردًا على زيارة مماثلة من الجانب التركي.
ويرى محللون أن تركيا قامت ببعض الخطوات المحدودة بما يعكس عدم رغبتها في تقديم تنازلات كبيرة في سبيل استعادة العلاقات مع مصر.
فكل ما فعلته أنقرة خلال الأشهر الماضية هو إيقاف بعض البرامج والمنصات الإعلامية التحريضيّة وإبعاد بعض الإعلاميين الإخوان المحرضين ضد النظام المصري.
لكن يظلّ الملف الليبي هو حجر العثرة الرئيس في طريق تحسن علاقات القاهرة وأنقرة حيث طلبت مصر من تركيا سحب قواتها ونحو عشرين ألف مرتزق سوري أرسلتهم إلي ليبيا لمساندة حكومة الوفاق الوطني التي تسيطر على طرابلس والمدعومة من تركيا.
فيما حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوضوح في يونيو/حزيران ٢٠٢٠ من أن تقدم القوات الموالية لتركيا نحو الشرق سيدفع مصر إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا وحدد السيسي خطًا أحمر لهذا التدخل هو خط سرت - الجفرة ما أدى لتثبيت الأوضاع في ليبيا.
أما ثاني أبرز الملفات الخلافية والمرتبط بليبيا أيضًا فهو ملف غاز شرق المتوسط حيث تنفذ تركيا عمليات تنقيب في المنطقة المحيطة بقبرص والقريبة من اليونان تحت ذريعة حماية "مصالح القبارصة الأتراك".
كما وقعت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٩ إتفاقًا مع حكومة الوفاق الليبية - المعترف بها دوليًا والمنتهية ولايتها- يؤسس لمنطقة اقتصادية تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا وهو اتفاق تصفه القاهرة بغير القانوني وتعترض عليه اليونان.
ولقطع الطريق على خطط أنقرة قامت مصر واليونان بتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما في أغسطس/آب ٢٠٢٠ ما يقطع الطريق على الآمال التركية في غاز شرق المتوسط.
كما أنشأت مصر في يناير/كانون الثاني ٢٠١٩ منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستنثي تركيا ويضم وزراء الطاقة في دول مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا ومقره القاهرة.
أمام كل هذه الملفات العالقة هل يمكن أن تمهد مصافحة السيسي وأردوغان في قطر لتحسن حقيقي في العلاقات المتقطعة بين البلدين منذ نحو ١٠ سنوات.
سؤال يجيب عنه ل "جسور" الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية مؤكدا أنه لا يمكن توقع حدوث تحسن سواء على المدى القريب أو البعيد لكن المصافحة بين الرئيسين السيسي وأردوغان وبترتيب مقصود من جانب قطر تؤشر أن طبيعة الإتصالات خلال المرحلة المقبلة ستتخذ شكلا مختلفًا عمّا كان في السابق
ويضيف دكتور مختار غباشي أن الإرادة السياسية متوفرة من الجانبين التركي والمصري لتحسين العلاقات وأن ملف الإخوان المسلمين وقنواتهم الإعلامية في إسطنبول يمكن تحجيمه ولا يشكل أولوية لكن الملفات والمصالح الأكثر أهمية بين مصر وتركيا ستفرض نفسها في النهاية خاصة في ظل استعداد أردوغان لخوض انتخابات رئاسية منتصف العام المقبل وبالتالي سيحاول تحسين علاقاته المتوترة مع دول الإقليم كما شهدنا في قيامه بتحسين العلاقات مع السعودية والإمارات وإعطاء بادرة لتحسين العلاقات مع النظام السوري رغم العداء الشديد بينهما وبالتالي فهو يقوم أيضًا ببوادر وإشارات لتحسين العلاقات مع مصر.
كان الرئيس التركي أردوغان قد صرّح لصحفيين أتراك أثناء عودته من قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا الأسبوع الماضي باستعداده لمراجعة علاقاته مع سوريا ومع مصر. وقال "يمكننا إعادة النظر في العلاقات مع الدول التي واجهتنا معها صعوبات. ويمكننا حتى أن نبدأ من الصفر خاصة بعد انتخابات يونيو/حزيران المقبل "بحسب وكالة أنباء الأناضول الرسمية.
لكن حدوث تحسّن حقيقي أو الحديث عن عودة التمثيل الدبلوماسي بين مصر وتركيا يبدو مرهونًا وفق المراقبين في مصر بالتوصل إلى اتفاق واضح حول ملفات إقليمية تمثل جوهر الخلافات بين البلدين خاصة في ما يتعلق بالملفين الليبي وغاز شرق المتوسط.