كتب إبراهيم ريحان في جسور:
يعبّر دبلوماسيّون غربيّون عن خشيتهم من احتمال اشتعال الجبهات السّوريّة مُجدّداً.
لا تأتي هذه التحذيرات من فراغ. حوّلت الحرب المُندلعة في سوريا منذ سنة 2011 السّاحة الشّاميّة من لاعبٍ رئيسيّ في الشّرق الأوسط إلى ملعبٍ تتنافس على أرضه قوى الشّرق والغرب.
على الرّغم من البُعد الجغرافيّ لسوريا عن ساحة الحرب في أوكرانيا، إلّا أنّ اللاعبين في أوكرانيا وروسيا هم نفسهم المُتنافسون على الأرض السّوريّة.
روسيا ومعها قوّاتٍ شيشانيّة وبيلاروسيّة، وأميركا والقوى الغربيّة، وعلى دكّة الاحتياط، إيران و تركيا بمسيّراتهما المُوزّعة بالتساوي: المسيّرات الإيرانيّة للرّوس، والبيرقدار التّركيّة للأوكرانيين.
تشير معلومات "جسور" من مصادر دبلوماسيّة غربيّة إلى أنّ التراجع الأخير للقوّات الرّوسيّة في أوكرانيا قد يدفع كُلاًّ من موسكو والقوى الغربيّة إلى إعادة تحريك الجبهات الرّوسيّة، وخصوصاً في الشّمال السّوريّ بين حلب وإدلب.
يلخّصُ دبلوماسيّ غربيّ في جلسةٍ خاصّة الوضع كالآتي:
يبحثُ الغربيّون على انتزاع ورقةٍ خارجيّة من يدِ الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين تُضاف إلى خسائره الميدانيّة أمام الجيش الأوكرانيّ الذي انتزَع آلاف الكيلومترات المُربّعة من جيشِ بوتين خلال الأسبوع الأخير.
تخوض القوى الغربيّة نقاشاً مستفيضاً حول هذا الشأن، إذ تُعارض بعض الدّول تسليح المُعارضة السّوريّة، خوفاً من سقوط سلاحٍ مُتطوّرٍ بأيدي "الجماعات المُتطرّفة" ما لهذا الأمر من انعكاسٍ سلبيّ على المدى الطّويل. فيما ترى أطرافٌ أخرى أنّ تسليح المُعارضة السّوريّة سيُشكّل ضربةً سيّاسيّة ومعنويّة لبوتين في حال استطاعت المُعارضة السّوريّة تحقيق تقدّم سريع على الأرض يجعل مصير التّدخّل الرّوسيّ الذي قلَبَ الموازين في سوريا منذ 2015 في مهبّ الرّيح.
تركيا وقضية النازحين
يشيرُ الدّبلوماسيّ إلى أنّ الجانب التّركيّ لا يُحبّذ الاصطدام مع روسيا في سوريا، إذ إنّ الرّئيس رجب طيّب أردوغان تفصله أشهر قليلة عن موعد الانتخابات الرّئاسيّة الرّبيع المُقبل، وهو يضع ملفّ النّازحين السّوريين في تركيا نُصُبَ عينيه ويُعارض أيّ خطوة من شأنها تأخير النيّة التركيّة لحلّ قضيّة النّازحين.
على المقلب الآخر، يخشى الغربيّون من أن يلجأ الرّوس والإيرانيّون إلى محاولة تحقيق تقدّمٍ في سوريا.
يسعى الكرملين إلى تعويض خسائره في أوكرانيا عبر ضرب الفصائل المدعومة من الولايات المُتحدّة والغرب، وتحديداً "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة". يخشى الغربيّون من أن يُلاقي أردوغان روسيا في هذا الملفّ، ويجد ضالّته في التخلّص من القوى الكرديّة، وإن أدّى هذا إلى تعويم النّظام السّوريّ، الذي لم يعُد يجد فيه الأتراك "عدوّاً".
أمّا إيران التي وصلَت مُفاوضاتها النّوويّة مع الولايات المُتحدة و الاتحاد الأوربيّ إلى طريقٍ مسدود، فقد تلجأ بحسب الدّبلوماسيّ الغربيّ، إلى مُهاجمة القواعد الأميركيّة شرق الفرات، ومعها الفصائل المدعومة من الغرب في شرق سوريا ومحيط قاعدة التّنفّ على مُثلّث الحدود المُشتركة بين سوريا والعراق والأردن.
يُضاف إلى ما سلَف الغارات الإسرائليّة التي لا تتوقّف على الفصائل المدعومة من الحرس الثّوريّ على امتداد الخريطة السّوريّة.
زيادة المُعاناة
هذه الفرضيّات، إن حصلَت، فإنّها ستزيد بلا أدنى شكّ من معاناة الشّعب السّوريّ أكان في مناطق النّظام أم المناطق التي تُسيطر عليها المُعارضة.
هذا أيضاً ما أكّدته "لجنة التحقيق الدولية المستقلة" بشأن سوريا، في تقريرها الأخير، الذي يغطي الفترة الواقعة بين 1 يناير/كانون الثاني إلى آخر شهر يونيو/حزيران، من أنّ سوريا لن تتحمل العودة إلى القتال مجدداً.
كما أشار تقرير اللّجنة إلى أنّ العائلات التي تعيش في مناطق الخطوط الأمامية، تتحمل العبء الأكبر من القصف المدفعي الذي تنفّذه قوّات النظام في هذه المناطق، إذ سجّل التقرير مقتل أطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة، وقتل رجال أثناء توجههم إلى متاجرهم، كما قُتلت عائلة بأسرها أثناء تجمعها خارج المنزل لتناول شاي في فترة ما بعد العصر، وفق التقرير.