كتبت مايا هاشم في جسور:
أجمع “المكوّن العسكري" في السودان على قرار تسليم السلطة للمدنيين، وذلك عندما أعلن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، اتفاقه مع رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان، على ترك اختيار رئيسي مجلسي السيادة والوزراء للمدنيين، وجاء في البيان أن الطرفين العسكريين جدّدا "التزامهما بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، والانصراف تمامًا لمهامها المنصوص عليها في الدستور والقانون".
تصريحات متناقضة
تصريحات حميدتي التي خرجت مطمئنة إلى حدٍّ ما لقوى التغيير في البلاد، التي تطالب بتنحية المكوِّن العسكري من الحكم وتسليم السلطة للمدنيين، أحبطتها تصريحات الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي للبرهان، الذي أكد أن الجيش "لن يسلم السلطة إلّا إلى حكومة متوافق عليها من كل السودانيين أو حكومة منتخبة".
أبو هاجة لم يدلِ بهذه التصريحات ما لم يكن حصل على "الضوء الأخضر" من البرهان، وبالتالي هذه التصريحات تخالف ما تعهّد به الأخير مع حميدتي، وذلك يعني أن المؤسسة العسكرية ستبقى على رأس الحكم لحين انقضاء الفترة الانتقالية، في حين أن المكوِّن العسكري لم يحدّد مدة زمنية لتسليم السلطة إلى المدنيين.
هل يفي المكون العسكري بوعده؟
من الواضح أن "عمليّة انتقال وتسليم السلطة للمدنيين" أصبحت "مشروطةً" بتوحّدِ وتوافق قرار القوى المدنية في البلاد، وهذا من الصعب أن يتحقق لأن تلك القوى تضم تيارات سياسية وأحزابًا لديها آراء مختلفة فيما بينها ورؤى “غير موحَّدة" وهذا ما يطيل أمد بقاء المكون العسكري في السلطة، إلا أن تلك القوى جميعها تتوحَّد حول مطلب تسليم السلطة للمدنيين ورحيل المكون العسكري من الحكم، كما أن جميع تلك القوى أصبحت تمثِّل المعارضة للحكم العسكري وتحديدًا للبرهان وتصف ما قام به في 25 أكتوبر الماضي "بالانقلاب العسكري".
خلافاتٌ ضمن المعسكر الواحد!
تصريحات متناقضة تُظهر تباينًا في المواقف، وتطرح علامات استفهام حول إمكانية وطريقة تنفيذ "الوعد المبرم" بشأن تسليم السلطة للمدنيين، وأن خلافًا واضحًا بات ظاهرًا إلى العلن يتمثّل باختلاف وجهات النظر بين "الرجلين القويين" في "المعسكر" السوداني.
حميدتي الذي يحاول التقرب من قوى التغيير، اعترف مؤخّرًا خلال مقابلةٍ تلفزيونية له، بفشل الحكم العسكري في السودان منذ تولي الجيش زمام الأمور في 25 أكتوبر 2021، بينما يصف مناصرو البرهان بأن الـ 25 من أكتوبر الماضي هو "مصحح" لمسار المرحلة الانتقالية في البلاد، إذن في المعسكر الواحد وجهتا نظر تختلفان تمامًا عن بعضهما، ما يرجّح فرضية الخلافات داخل "البيت الواحد".
شرخٌ كبير بين المكونين
يظهر المدنيون في السودان "عدم ثقتهم" بالبرهان الذي يعتبرونه قاد انقلابًا عسكريًا في البلاد، ورغم وعد المكون العسكري الذي قطعه بتسليم السلطة للمدنيين، إلا أن المظاهرات لا تزال تجوب شوارع السودان، مطالبةً بالحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وذلك يعني أن "لا ثقة" بين المكونين العسكري والمدني.فهل يفي المكون العسكري بوعده ويسلّم السلطة للقوى المدنية أم أنه سيعمل على إماطة الوقت ويراهن على تشرذم القوى المدنية داخل البلاد؟