تزداد النزاعات والحروب والصراعات الداخلية في العالم العربي، وتتداخل الاسباب الاجتماعية والطائفية والتاريخية والاقتصادية والسياسية والخارجية لتأجيج هذه النزاعات وتفجيرها وادامتها بعيدا من مصالح الشعوب العربية ودولها ، ومن هنا تبرز أهمية فهم هذه النزاعات واسبابها وتاريخها ، والعمل من أجل وضع آليات عملية لحل هذه النزاعات والتوصل الى حلول مستدامة لها كي لا نعود اليها بين فترة واخرى .
والصراعات والحروب التي شهدها لبنان ، سواء قبل تأسيس لبنان الكبير او بعده ، او بعد الاستقلال في العام 1943 وحتى اليوم ، تشكّل نموذجا للصراعات والحروب في معظم الدول العربية ، إن لجهة العوامل الخارجية وتدخل الدول الاجنبية في تأجيج هذه الصراعات واستغلالها لتحقيق مصالحها ، او لجهة تداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية والسياسية في هذه الصراعات .
وفي إطار معالجة هذه النزاعات والعمل لنشر ثقافة حل النزاعات نشأت في لبنان قبل حوالى عام مجموعة متخصصة في معالجة النزاعات تحت اسم : مجموعة حل النزاعات (crg) وهي تتكون من عدد من الشخصيات الدبلوماسية والاعلامية والاكاديمية والتربوية والحوارية وبعض المؤسسين من الذين عملوا سابقا في السلك العسكري والامني في لبنان ، وهم من خلفيات فكرية ودينية متنوعة، وتسعى هذه المجموعة لاقامة دورات تدريبية حول حل النزاعات في لبنان ، والعمل لاطلاق مبادرات عملية او ورش حوارية حول بعض النزاعات في لبنان والعالم العربي ، وصولا لاقامة اكاديمية او معهد متخصص في حل النزاعات .
وفي اطار المبادرات التي تطلقها هذه المجموعة ، سيتم تنظيم ورشة حوارية في مدينة جبيل اللبنانية يومي 31 اذار / مارس والاول من نيسان / ابريل من العام الحالي بالتعاون مع مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية ومؤسسة هانس زايدل الالمانية وسيكون عنوان هذه الورشة : النزاعات في لبنان بين الاسباب التاريخية وافاق الحلول المستقبلية.
ومن الموضوعات التي ستتناولها هذه الورشة الحوارية اللبنانية : تاريخ واسباب النزاعات في لبنان ، دور القوى الخارجية في النزاعات والحروب والصراعات في لبنان ، دور الطوائف في النزاعات ، اي دور للاحزاب في النزاعات وكيفية معالجتها ، دور المنظمات الدولية في حل النزاعات في لبنان ، دور الحوار والمؤسسات الحوارية في معالجة النزاعات اللبنانية.
وتشكّل هذه الورشة الحوارية اللبنانية نموذجا مهما في اعادة فهم النزاعات الداخلية في لبنان والعالم العربي ، ورغم انها تقام في مرحلة دقيقة وحساسة وفي ظل تنامي الصراعات الداخلية والخارجية وفي ظل التنافس الحاد والقوي في الانتخابات النيابية التي بدأت التحضيرات لها والتي ستجري في شهر أيار / مايو المقبل، فان انعقاد هذه الورشة الحوارية وسعي المشرفين على اقامتها لتوفير اجواء الحوار الحقيقي والعميق بين المشاركين فيها والذين يمثلون مختلف المكونات اللبنانية، فان ذلك يشكل رسالة مهمة للداخل والخارج في امكانية عقد حوارات لبنانية لبحث الازمات المختلفة التي يواجهها لبنان واللبنانيون في هذه المرحلة.
وبانتظار انعقاد هذه الورشة الحوارية الهامة ونتائجها ،والتي تواكبها العديد من المبادرات الحوارية الداخلية والخارجية لمعالجة الوضع في لبنان ، فان لبنان يمر في مرحلة دقيقة وخطيرة وهناك مخاوف حقيقة حسب العديد من المصادر الدبلوماسية والسياسية " من ان هذين الشهرين وحتى الانتخابات النيابية سيشهدان تطورات سياسية وامنية كبيرة في لبنان والمنطقة وهذا يتطلب الكثير من الحذر والانتباه".
ويبقى ان لا خيار امام اللبنانيين والعرب جميعا سوى العودة الى الحوار والعمل لحل نزاعاتهم الداخلية بعيدا من الحسابات والمصالح الخارجية ، فهل نتعلم من اخطائنا وتاريخنا ام سنظل نغرق في النزاعات والحروب لصالح القوى الخارجية؟