مع تصاعد الصراع القضائي بشأن ملف مرفأ بيروت والضغوط السياسية الساعية لتعطيل مسيرة التحقيق، عاد "القرار بهدم إهراءات المرفأ في بيروت، ومشروع بناء الصوامع في طرابلس" إلى الواجهة مجدّدًا.
لكن بحسب معظم أهالي الضحايا، ان "قرار الحكومة هو جائر، والإهراءات هي شاهد على المجزرة، ولا يجب أن تُهدم قبل أن تظهر الحقيقة ويحاسب الفاعلون، خصوصًا أن بعض الأشلاء ما تزال هناك. كما لا يجب التصرف وكأن شيئًا لم يكن، واعتبار ما حصل مرّ مرور الكرام".
وتقول أنطونيلا حتّي التي خسرت ثلاثة من أفراد عائلتها من أبطال فوج إطفاء بيروت، "نحن نرفض كل قرار قادر أن يمحي مسرح الجريمة أو يعرقل التحقيقات، ولكن لا أحد يعرف ماذا يغيرون في مسرح الجريمة الذي أصبح كمغارة علي بابا".
وتابعت في حديث لـ"جسور"، "يحاولون محو كل ما يخص جريمة 4 أغسطس/آب وإخافتنا بهدم الإهراءات وبالتوقيفات والترهيب، بينما نحن كل ما يهمنا هو الوصول إلى الحقيقة".
معالم مفتوحة
بدوره، أكد المحامي رالف طنوس في حديث لـ"جسور"، أن "دراسة قرار هدم الإهراءات لم تُستكمل بعد في مجلس الوزراء وبالتالي القرار بذلك لم يُصدر بعد".
وتابع: "لكن نحن ضد هذا القرار لأن الحقيقة لم تُكشف بعد والقرار الظني لم يُصدر، كما لا تزال معالم الجريمة مفتوحة".
وأضاف: "لا يجب تغيير معالم مسرح الجريمة، لأن التحقيق المحلي أو لجنة تقصي حقائق دولية قد تتطلب العودة إليه في أي لحظة".
كما لفت إلى أن "هذا المكان يجب أن يبقى ذكرى للضحايا، ومكانًا للأهالي ليتذكروا به ضحاياهم".
أما بالنسبة لمشروع بناء الصوامع في طرابلس، قال طنوس: "لم نسمع به ولم يحدثنا أحد عنه". ومن المتوقع أن ينفذ أهالي الضحايا تحركات رفضًا لهذا القرار.
دفتر شروط
وكان وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام، قد استقبل في مكتبه في الوزارة، وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الاعمال علي حمية، في إطار متابعته موضوع بناء الإهراءات والأمن الغذائي.
وإثر الاجتماع، قال الوزير سلام: "أبلغنا الوزير حميه أنه وبنتيجة العمل الدؤوب والتعاون المستمر، فقد تم الانتهاء من وضع دفتر الشروط لبناء إهراءات في مرفأ طرابلس على الأرض المخصصة له، والوزير سيتحدث عن هذا الموضوع بشكل مفصّل، ودفتر الشروط سيكون جاهزًا لإطلاقه. أما المستثمرون فسيتقدمون إلى هذه الفرصة المهمة مطلع الأسبوع المقبل حتى يكون لهم دور في مرفأ طرابلس".
وتابع: "كما أبلغنا الوزير حميه أنه خلال العمل في المرحلة المقبلة على الخطة العامة لمرفأ بيروت، تم تحديد موقع بمساحة 25 ألف متر مربع لبناء إهراءات جديدة في مرفأ بيروت، وسيتحدث عنها الوزير حميه بالتفصيل".
وأضاف: "ما أريد قوله، أن ايرادات مرفأ بيروت ارتفعت من 400 الف دولار الى عشرة ملايين دولار، ونفذنا ما وعدنا به. واذا تعرض أحدهم لضغط سياسي ولا يريد أن يستثمر في مرفأ طرابلس فهذا ليس ذنبي، ولكنه ذنب من منعه من الاستثمار، ومن الذي يملك المال ولا يريد الاستثمار".
لا هبة ولا قرض
من جهته، أكد الوزير حمية، انها "فرصة لإشراك القطاع الخاص الذي ينفق من ماله وليس من أموال الدولة. الدولة لن تدفع شيئا، فقد ولى زمن أن يسمى قطاعًا خاصًا ويعمل بأموال الدولة".
ونفى وزير الاشغال أن تكون هناك شركة قد استلمت مرفأ بيروت لاعادة بنائه، وقال: "كل ما كنا نراه عبر الاعلام ، منذ كارثة 4 آب/أغسطس، عن هبات وإعادة اعمار، كان مجرد كلام، فلم يقدم أحد لا هبة ولا قرض ولا ورقة رسمية لدعم اعادة اعمار المرفأ".
وقال: "ذاهبون باتجاه إعادة إعمار المرفأ، ونحن قاب قوسين أو أدنى لإطلاق خطة لإعادة إعماره، وستكون دفاتر الشروط مفتوحة للجميع، والشركات التي وعدت شفهيا نقول لها الملعب موجود، واذا لم يحركوا ساكنا فنحن سنبني من ايرادات المرفأ. نحن ندخل في الشهر 10 ملايين دولار نقدا وسنبني وفق هذا المبلغ ولسنا بحاجة لأحد".
وتابع: "بالنسبة للاهراءات القديمة، علينا ان نتحقق من أساساتها، واخترنا شركة خطيب وعلمي لأنها هي التي قدمت تقريرًا الى مجلس الوزراء في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2022، وهناك استمرارية للملف. الإشكالية هي في الجهة الجنوبية، وعلينا التحقق من الاساسات اذا كانت صالحة أم لا"، مشيرًا الى أنه علينا أن ندفع 200 الف دولار لـ"خطيب وعلمي" لتستقدم شركة تكشف تحت الارض، والموضوع المالي حاليا معروف".
وأشار إلى أن "تكلفة بناء الاهراءات في مرفأ طرابلس تفوق 20 مليون دولار، وفي بيروت أيضًا، ونحن بانتظار الشركات، وحددنا عدد السنوات للاستثمار وكيفية تقاسم الأرباح مع الدولة".
الإنفجار المروّع
ووقع الانفجار المروّع في عنبر مجاور لإهراءات الحبوب في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، ما تسبّب بمقتل أكثر من مئتي شخص بينهم عدد من موظفي غرفة التحكم في الاهراءات وإصابة أكثر من 6500 شخص آخرين بجروح. وألحق الانفجار أضرارًا جسيمة بالمرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
وقبل عام، قدّرت "أمان إنجنيرينغ"، وهي شركة سويسرية أجرت مسحًا للاهراءات، أنّ الصوامع "تميل بمعدل 2 ملم في اليوم، وهذا كثير من الناحية الهيكلية".
وبدأ لبنان بناء الاهراءات في نهاية الستينات بفضل قرض حصل عليه حينها من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية. وتمكّنت الاهراءات البالغ ارتفاعها 48 مترًا وكانت قدرتها الاستيعابية ضخمة تزيد عن 100 ألف طن، وفق خبراء، من امتصاص الجزء الأكبر من عصف الانفجار، ما أدى الى حماية الشطر الغربي من العاصمة من دمار أكبر.