في ظل التدهور المالي والاقتصادي الذي يتخبّط به لبنان اليوم وما يرافقه من انهيار العملة الوطنية وبلوغ العملة الخضراء مستويات غير مسبوقة، وفي ظل انسداد الأفق أمام أي انفراج سياسي، يعود وفد صندوق النقد الدولي الشهر المقبل إلى بيروت بعد عام تقريبًا على توقيع الاتفاق المبدئي الذي تم على مستوى الخبراء في أبريل/نيسان من العام 2022.
زيارة روتينيّة
يعوّل البعض على الزيارة للتأكيد بأن لبنان لا يزال في دائرة الاهتمام الدولي، ولكن الواقع مختلف تمامًا فهذه الزيارة تأتي ضمن الزيارات الروتينيّة التي يقوم بها الوفد عادة في إطار عمله الذي ينتهجه مع الدول الأعضاء، وبالتالي سيقتصر عمل الوفد على الإطلاع على المالية العامة للدولة والسياسات التي تنتهجها الحكومة وتقييم الواقع الاقتصادي، على أن يرفع بعدها تقريرًا مفصّلا يتضمن المعلومات الروتينية التي يجمعها الوفد، لذلك فلا يمكن التعويل على هذه الزيارة.
لبنان والاهتمام الدولي
مما لا شك فيه أن لبنان لم يخرج من دائرة الاهتمام الدولي بعد، ولكن حتى هذه اللحظة لم يلمس المجتمع الدولي وتحديدًا صندوق النقد الدولي جدية من قبل الحكومة اللبنانية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.
فالاتفاق الأوّلي الذي تم توقيعه العام الماضي بين السلطات اللبنانية من جهة وصندوق النقد الدولي من جهة أخرى (اتفاق على مستوى الموظفين) على برنامج تمويل قيمته نحو 3 مليارات دولار أميركي على امتداد ما يقارب 4 سنوات لم ينُفذ منه أي بند بعد، وهذا الأمر بدا مُستغربًا لدى وفد صندوق النقد خصوصًا الذين التقوا بعض النواب الاسبوع الماضي في واشنطن.
تحذير جديد
وقد علمت "جسور" من مصادر نيابيّة أن المسؤولين في صندوق النقد أبدوا إنزعاجهم من طريقة عمل السلطات اللبنانية التي كانت قد أبدت استعدادها للقيام بالإصلاحات المطلوبة بعد توقيع الاتفاق العام الماضي بهدف إعادة بناء الاقتصاد وتعزيز الاستدامة المالية، بالإضافة إلى تكريس الحوكمة والشفافية، فضلاً عن إزالة العقبات أمام النمو للوظائف وزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على إعادة الإعمار، خصوصًا وأن الدعم التمويلي كان سيتم بشروط عالية التيسير من شركاء لبنان الدوليين لضمان تمويل البرنامج بالقدر الكافي وقدرته على تحقيق أهدافه.
وقد نقلت المصادر عن وفد الصندوق أن لبنان لم يُنفذ بعد أي بند إصلاحي تم التوافق عليه منذ عام تقريبا وهي سابقة في تاريخ تعاطي الدول مع صندوق النقد التي عادة ما تكون جاهزة للقيام بالاصلاحات المطلوبة من أجل الحصول على التمويل اللازم.
المصادر أكدت أن الوفد حذّر لبنان من الاستمرار بسياسة المماطلة في تطبيق الإصلاحات المطلوبة خصوصًا وأن الوقت ليس في مصلحة لبنان، فالإصلاحات التي تم الإتفاق عليها منذ عام تقريبا لم تعد تنفع اليوم بسبب الانهيار المستمر في القطاعات كافة، وبسبب التضخم المفرط الذي وقع فيه لبنان اليوم فضلاً عن تدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار وتآكل القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر، هذه الأمور وغيرها كفيلة بتطيير الاتفاق ولو كان غير ملزم لأي من الطرفين.
لا يمكن للبنان اليوم بحسب تلك المصادر الخروج من أزمته المالية والاقتصادية من دون مساعدة دولية وعربية، وبوابة هذه المساعدات تبدأ بتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد، وتطيير هذا الاتفاق يعني القضاء على الفرصة الأخيرة المتبقية للخروج من النفق المظلم.
وعن زيارة وفد الصندوق إلى لبنان تشدد المصادر على أنها روتينية لن تقدم ولن تؤخر في موضوع الاتفاق المبدئي الموقع بين الطرفين، فشروط الصندوق واضحة منذ البداية وهو لن يتساهل بأي منها تحت أي حجة تقدمها السلطات اللبنانية وسبق أن قال لنا "ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم"، فإذا لم نبادر لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة سريعة والبدء بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة للحصول على دعم صندوق النقد ومن خلفه الدعم العربي والدولي فمصيرنا سيكون أسود.
أهميّة صندوق النقد
صحيح أن المبلغ الذي سيقدّمه صندوق النقد للبنان لن يتجاوز الـ 3 مليارات دولار أميركي وهو مبلغ قليل مقارنة بحجم الانهيار الحاصل اليوم، لكن أهميته تكمن في إعادة الثقة إلى لبنان ومؤسساته المالية والنقدية، وهذه الثقة هي البوابة لحصول لبنان على قروض ودعم عربي ودولي على رأسهم 22 إتفاقية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، وفي حال وقّعت هذه الإتفاقية فهذا يعني رفع الحظر المالي الخليجي عن لبنان وبالتالي انتشاله من الدرك الذي وصل إليه.
لاشك بأن أي قرار إصلاحي يحتاج إلى قرار سياسي، فهل يعطي حزب الله الضوء الأخضر للرئيس المقبل لبدء ورشة الإصلاحات المطلوبة وإنقاذ لبنان أم أن قرار خطف الدولة ومؤسساتها سيبقى إلى أجل غير مُسمى!