تخيّلوا أنّ قبل سبعة وعشرين عامًا أطلّ الإعلامي اللبناني زافين قيومجيان على شاشة تلفزيون لبنان وشرح على الهواء كيف يمكن إرسال رسالة نصيّة عبر البريد الإلكتروني. في برنامجه آنذاك "خمسة على سبعة" أبدى وضيوفُه اندهاشهم بقدرة إيصال الرسالة من لبنان إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة في ثانية.
بين "جيل الفيسبوك" والمستقبل
يومها لم يتوقّع المشاهدون أنّ التطوّر سيؤدّي إلى ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وأضحى جيل آبائنا وأجدادنا غريبًا على هذه الثورة التكنولوجيّة إلى أن حاول بعضهم مع مرور الوقت التأقلم وحجز مكان لهم في هذا العالم. "أنتم جيل الفيسبوك"، هكذا كان ينعتنا الأكبر سنًّا حين يريدون توبيخنا أو اتّهامنا باللّا مسؤوليّة لأنّ الهاتف لم يعد يفارق كثرًا منّا.
اليوم نحن "جيل الفيسبوك"، نقف مندهشين أمام تطوّر فاقت سرعتُه قدرةَ دماغنا على استيعابه. إنّه الذّكاء الاصطناعي! فهمنا اليوم ما شعر به آباؤنا وأجدادنا، فها نحن مقبلون إلى عالمٍ يقال إنّه يعمل على استبدالنا.
عالم جديد يتبلور
من توقّع يومًا أنّ باستطاعة ممثّل تأدية مشهد بعد وفاته؟ الذكاء الاصطناعي قادر على فعل ذلك عبر استنساخ ملامح وجهه افتراضيًّا واستخدام صوت الممثل نفسه ولكن بكلمات جديدة.
حتّى أكثر الصور إبداعًا يمكن أن يكون مصدرها الذكاء الاصطناعي، كل ما عليك فعله تزويد البرنامج بنص يحتوي على فكرة اللوحة المنوي إنجازها فتحصل عليها بدقائق.
هذا ما فعله مصمّمُ الألعاب جايسون ألين حين فاز بالمرتبة الأولى بجائزة أفضل صورة. وكان ألين قد أنشأ اللوحة باستخدام منشئ لصور الذكاء الاصطناعيّ يُدعى "Midjourney"، لتكتشف اللجنة لاحقًا حقيقة ما حصل.
كلُّ هذا جعل من محرّكات البحث السابقة إنجازًا تقليديًّا. الإنجاز الأخير chat gpt قادر اليوم على كتابة نصّّ كامل أو مقال صحفي أو رسالة لطالب دراسات عليا، فيما google فيقتصر عمله على تزويدنا بمقالات ونصوص ودراسات سابقة لا أكثر ولا أقل. كذلك قادر على ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى بدقّة غير مسبوقة ما يجعل الترجمة وغيرها من المهن تواجه واقعًا يهدّد وجودها.
نظرة تفاؤليّة وخطة مستقبليّة
رغم هذه الثورة التكنولوجيّة، ثمّة من يرى أنّ أي تطور سيصب في نهاية المطاف في خدمة الإنسان تمامًا كما حصل بعد اختراع المطبعة حيث باتت الكتب تصل إلى ملايين القرّاء وكما حصل أيضًا مع بلوغ البشرّية عصر المكننة حيث كانت فرصةً للتخفيف عن كاهل العمّال مهمّات أصبحت الماكينات قادرة على إنجازها.
وهذا الأمر قد ينسحب إلى عصرنا الحاليّ، إذ إنّ هناك مهنًا ولو تأثّرت بالذكاء الاصطناعي إلّا أنّها غير قادرة على الاستغناء كليًّا عن الإنسان.
بحسب الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبو نجم، فإنّ الذكاء الاصطناعي قادرٌ على استبدال من لا يجيد استخدامه.
إنّها مقولة تحيلنا إذًا إلى مستقبل الاختصاصات وضرورة توجيه الطلاب إلى خيارات أكاديميّة لم تكن في الحسبان.
نحن "جيل الفيسبوك" وأنتم "جيل الذكاء الاصطناعي"، قد يُفرَض علينا مع مرور الوقت حجز مكان لنا في عالمكم تمامًا كما فعل آباؤنا وأجدادُنا حين فُرِضَ عالمُنا عليهم. ومن يعرف بعد سنوات، ماذا يُخبَّأ لإجيال لم تولد بعد. هؤلاء، من أي جيل سيكونون؟ نحن "جيل الفيسبوك" نسأل.