شكّل الإتفاق الإيراني – السعودي حول إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما برعاية صينية مفاجأة لكل الأوساط اللبنانية والعربية والدولية ، سواء بالتوقيت السريع او بالراعي الصيني أو في مضمون الإتفاق المعلن.
ورغم أن الجهود العربية التي بذلت خلال آخر سنتين بين البلدين ( عبر العراق وسلطنة عمان ) كانت مهمة للتحضير لهذا الإتفاق ، فان الرعاية الصينية اعطت الإتفاق اهمية كبرى في ظل المخاوف من تصاعد الاوضاع في المنطقة واحتمال حصول عدوان عسكري اسرائيلي كبير على ايران .
وبانتظار توافر معلومات كاملة عن مضمون الاتفاق غير المعلن والخطوات المستقبلية بين البلدين، فان الاوساط اللبنانية تتساءل عن انعكاس الاتفاق على الوضع اللبناني عامة وعلى المعركة الرئاسية بشكل خاص؟ وهل سيكون لدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او البحث عن خيار بديل ؟.
وقد حرص وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على التأكيد حاجة اللبنانيين للاتفاق فيما بينهم ، واكد ذلك ايضا السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني، وذلك للرد على من يربط الاتفاق بالوضع اللبناني مباشرة، لكن حجم الترحيب اللبناني بالاتفاق من معظم الاطراف وكذلك على الصعيد العربي والدولي يؤكد امكانية الاستفادة من الاتفاق لوضع مقاربة جديدة للملف اللبناني والدعوة الى حوار سريع للوصول الى حسم الملف الرئاسي.
وقد سبق الاتفاق الايراني – السعودي على الصعيد اللبناني الإعلان الرسمي من قبل الرئيس نبيه بري وحزب الله بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وقد شكل ذلك تطورا مهما في مسار المعركة الرئاسية والأزمة السياسية في لبنان ، وبذلك انتهت مرحلة الغموض حول موقفهما المشترك ، وقد ادى هذا الترشيح لردود فعل متباينة داخليا وخارجيا بين مؤيد ومعارض لهذا الترشيح .
فعلى الصعيد الداخلي اعلنت عدة قوى سياسية وحزبية وكتل نيابية ( القوات اللبنانية، حزب الكتائب ، كتلة التجدد) الرفض الواضح والحاسم لهذا القرار وهدّدت بعدم المشاركة في جلسات مجلس النواب في حال حصل فرنجية على 65 صوتا ، في حين لم تحسم قوى اخرى موقفها النهائي ( كتلة اللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر والنواب السنة والمستقلون) ، وان كان الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر ونواب التغيير قد عارضوا سابقا وصول فرنجية وكان لهم مواقف متباينة من معركة رئاسة الجمهورية.
وقد شهدنا ردود فعل قاسية وقوية من معظم قوى المعارضة ( حزب الكتائب ، القوات اللبنانية ، النائب ميشال معوض ، النائب اللواء اشرف ريفي ) وهدد هؤلاء بعدم النزول الى مجلس النواب في حال ضمن الحزب والحركة نجاح فرنجية ، اضافة الى تهديدات بتغيير النظام واتخاذ خطوات اعتراضية ، في حين رفض الرئيس فؤاد السنيورة اي مشروع تسوية يجمع بين مرشح مدعوم من حركة امل وحزب الله لرئاسة الجمهورية ومرشح مدعوم من المعارضة لرئاسة الحكومة.
وأما على الصعيد الخارجي، فالامور غير محسومة بين القبول والاعتراض، ففي حين اشارت بعض المعلومات الى دعم فرنسي للترشيح على ان يكون ذلك ضمن تسوية شاملة تجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وخطة الإصلاح، لم يتضح الموقف النهائي لاميركا ، ولمحّت بعض المصادر الى رفض السعودية لذلك وخصوصا خلال اللقاءات التي أجراها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري مع القيادات اللبنانية وكذلك عبر الحملة القاسية التي شنّتها جريدة عكاظ على ترشيح فرنجية، وهناك معلومات تشير لدعم السعودية لقائد الجيش العماد جوزيف عون ، وأما مصر وقطر ( اللتان شاركتا في لقاء باريس مؤخرا) فلم يعلنا أي موقف .
أما على صعيد حركة أمل وحزب الله فقد حرصا خلال الأيام الماضية على تأكيد الإستعداد للحوار الداخلي وأن دعم فرنجية لم يقفل الباب أمام خيارات أخرى وهذا تطور مهم جدا ينبغي التوقف عنده.
لكن كيف ستحسم الامور في المرحلة المقبلة؟ وهل سنكون أمام حوار داخلي للتوافق على رؤية مشتركة؟ او ان التسويات الخارجية قد تساعد على حسم الامور؟
من خلال المعطيات المتوفرة وبعض المواقف العلنية يبدو أن خيار الحوار الداخلي هو الوحيد لحسم المعركة الرئاسية في ظل توازن القوى الداخلية وانتظار الخارج لمواقف الاطراف اللبنانية وليس العكس .
فإذا كان الاتفاق الايراني – السعودي خطوة مهمة وقد يفتح الباب أمام تسوية شاملة لكل ملفات المنطقة ومنها لبنان واليمن وسوريا ،فهذا الامر قد يساعد اللبنانيين لحسم مواقفهم كي لا يكون اي اتفاق خارجي على حساب الاطراف اللبنانية.
واذا لم تسارع القوى اللبنانية لحسم مواقفهم فهذا يعني أننا ذاهبون الى مرحلة صعبة وأن الامور لن تحسم سريعا وأن حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ستبقى مرهونة بتغيير ما داخليا او خارجيا .
فهل سيكون لدى الرئيس نبيه بري وحزب الله خطة " ب" تفتح الطريق أمام قصر بعبدا أو أن الأزمة مستمرة بإنتظار تطور ما ينقذ البلد من ازماته المتدحرجة؟.