تطوّر علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية، يأتي انطلاقاً من نهج السعودية الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ، وانتهاج مبدأ الحوار والدبلوماسية لحل الخلافات وتقوم على الالتزام بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمواثيق والأعراف الدولية .
أتت الإتفاقية بين الطرفين برعاية الرئيس الصيني شي جين بينغ وإطلاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سياق حلحلة التشابكات والقضايا في المنطقة وتقليل فرص التسخين الإقليمي في الشرق الأوسط، ولا يمكن حلحلة القضايا من دون وجود تعهدات إيرانية وضمانات صينية، وعليه كان دخول الوسيط الصيني الموثوق دخولًا مناسبًا لإبرام إتفاق نهائي يفتح أبواب التعاون على مصراعيه بين البلدين.
وفي بيان مشترك، أعلنت الدول الثلاث، السعودية وإيران والصين، الجمعة في 10 آذار/ مارس 2023، أنه "تم التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يتضمن اتفاقاً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما خلال مدة لا تتجاوز الشهرين ويتضمن الاتفاق تأكيدها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
الكاظمي مهندس جولات التفاوض
في وقت سابق، استضاف العراق و سلطنة عمان جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 – 2022 ، وقام رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي بدور الوسيط لجلسات الحوار الأولى بين السعودية وإيران ، وكان له دور بارز بتعزيز الحوار بين السعودية وايران والذي يربطه علاقات جيدة بالجانبين وصداقة متينة مع ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان.
ونجح الكاظمي بحلحلة ملفات ومواضيع مهمة متعلقة بالشأنين الإقليمي والدولي واخرى تتعلق بمصلحة العراق والمنطقة وشعوبها رغم انتهاء ولايته بغية تهدئة الأوضاع في المنطقة وكلها إنجازات تحسب للعراق.
شجاعة ولي العهد السعودي
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فهي وفق المخطط الواضح، انتقلت من مرحلة ردع التعديات والتهديدات إلى مرحلة الانفتاح والاستقرار والتدخل لصنع التوازنات في المنطقة لما تتمتع بها من متانة اقتصادية ومكانة جيوسياسية ولن يكون استئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية بمبادرة صينية المحطة النهائية بل يمكن القول إنها المحطة الأولى ضمن أهداف الدبلوماسية السعودية المرنة والحاسمة وحكمة القيادة السعودية وشجاعة ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان الذي يتمتع بقدرات مشهودة في التعاطي مع الازمات والفرص والإمكانات.
ولاختصار المشهد يمكن القول: انتصرت السعودية بتغير المعادلة وبصنع تسويات الشرق الاوسط وأخذت على عاتقها عبء محيطها لمزيد من الاستقرار والنهوض والتقدم في المنطقة و لصالح الشعوب العربية.
القمم الثلاث.. رسالة لدول المنطقة والعالم
وبالعودة قليلًا الى الزيارة التاريخية للرئيس الصيني الى السعودية منذ أشهر وعقد القمم الثلاث في الرياض تعزيزا للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول العربية والخليجية،كانت بمثابة جرس إنذار لإيران بأن النمو المقبل من الصين غير مضمون النتائج بسبب عزلة طهران الدولية والعربية، والتهديدات الداخلية الإيرانية والضغوط الخارجية التي تمارَس عليها، وبسبب رغبة الشرق والغرب بالتعامل مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بالتالي بدأت الهرولة الإيرانية السريعة للتفاوض مع المملكة العربية السعودية.
اليمن أول الرابحين
ويقول الاكاديمي والمحلل السياسي السعودي الدكتور خالد محمد باطرفي في حديث لـ "جسور " : لا شك ان استنئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران سيشجع على المزيد من التسويات في المنطقة لأنه مرتبط ارتباطا وثيقا مع كثير من الملفات واهمها ملف اليمن وسوريا ولبنان والعراق بالتالي الحل ستكون له تداعيات إيجايية على ملفات المنطقة .
وأمل باطرفي في أن تصبح العلاقات جيدة وإيجابية وقائمة على عدم التدخل وسيادة الدول و التعاون المباشر والوثيق بين أكبر بلدين في المنطقة ما سيؤدي الى المزيد من الاستقرار وخاصة في الدول ذات الصلة أي سوريا ولبنان واليمن والعراق .
تراجع الدبلوماسية الاميركية
واعتبر باطرفي ان " ترتيب العلاقات بين البلديين الذي تم من خلال الصين له اسباب تدركها الولايات المتحدة الأميركية وهي ان الصين لها علاقة استراتيجية وثيقة مع الطرفين وخصوصا الطرف الإيراني فيما للولايات المتحدة وأوروبا علاقات أكثر مع الطرف السعودي وبالتالي تصبح المهمة أصعب بالنسبة لهم وهم يتفهمون ذلك ولكن لاشك انها تعتبر في نظر كثير من المراقبين الاميركيين أنفسهم ضربة للدبلوماسية الأميركية التي لم تحقق إنجازها في هذا الحجم سواء بين اسرائيل ودول المنطقة أو في أي مجال آخر في المنطقة بالتالي يحقق نصرا كبيرا للصين ومدخل واسع لهذه المنطقة الغنية والإستراتيجية الهامة".
الكاظمي.. داعم الحوار السعودي الإيراني
واكد باطرفي : لا شك أن للرئيس مصطفى الكاظمي دورا رائدا في هذه المفاوضات بالإضافة الى الدور العماني و الجلسات السابقة للحوار كانت تحت اشراف وتشجيع واستضافة من دولة العراق الشقيقة و كان لهذه البدايات دور كبير في تيسير وتسهيل الامور مع ما تم التواصل اليه لاحقا لان هناك التفاصيل الدقيقة لهذه القضايا والملفات من الجانب الامني .
سياسة إيران تخضع للإختبار
وفي هذا الصدد، صرح مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان القطب لـ "جسور" قائلا" : منذ فترة ليست بقصيرة وجمهورية ايران تطالب بتحسين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وقدمت اكثر من مرة اوراق اعتمادها لإعادة نسج علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. واقترحت مؤتمرا حول أمن الخليج يشارك فيه وزراء الدفاع في المنطقة.
وكان واضحاً ان تفاقم الازمة الداخلية في ايران يجبرها على اعادة النظر بسياستها الخارجية و ان سياسة زرع الفتن والصراعات في الدول المجاورة من عربية واسلامية لن يحمي استقرار دولتها الدينية. وان التحريض الديني ضد المسلمين والعرب في مختلف دول العالم وخصوصا العربي لن يؤمن لها الاستقرار المنشود ولن يساعدها في بسط سيطرتها على دول الجوار .
واعتبر قطب أن التبشير الديني الذي تمارسه إيران سواء بالاغراء او بالاستقواء سوف يفشل ولن يقود ايران الى ان تصبح القوة الاقليمية المهيمنة، لذلك بدأت ايران بطرح الوصول الى تسوية سياسية وأمنية تؤمن الاستقرار في المنطقة وتلغي أي ذريعة قد تقود الى تدخل أجنبي في دول الاقليم فكان الحوار السعودي- الايراني في العراق ومن ثم في سلطنة عمان.
الحوار كان صريحاً ومثمراً
وأضاف القطب: ورغم انطلاق الحوار لتحقيق خرقٍ في جدار المقاطعة والانقطاع بين الدولتين، الا ان المملكة العربية السعودية كانت واضحة في ضرورة ان تتوقف ايران عن زعزعة الاستقرار في دول المنطقة ووقف تدخلاتها ونشر سياسة الارهاب ومفاهيم المواجهة والاعتداء واستهداف الملاحة والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية من خلال دعم جماعة الحوثي الارهابية وحزب الله الذي يتولى التدريب والتعبئة وتأمين الغطاء الاعلامي اللازم والمناسب .
واعتبر القطب: مهلة الشهرين التي نص عليها الاتفاق بين الممكلة العربية السعودية وايران قبل مباشرة استئناف العلاقات الدبلوماسية نقطة مهمة جداً وشرط اساسي لمراقبة التزام ايران بتعهداتها قبل اعادة العلاقات الى طبيعتها واستئناف اي نشاط آخر سواء سياسي او اقتصادي، ونجاح هذه الاتفاقية من خلال تنفيذ بنودها قد يقود الى توسيع اطار التسويات في المنطقة ووقف التدخلات كمدخل طبيعي لترسيخ احترام متبادل لخصوصية كل دولة وسيادتها وحريتها، وحينها من الممكن الحديث عن تطوير هذا الاتفاق وانسحابه على دول اخرى على خلاف مع ايران قد تجد ان ظروف التسوية ممكنة وان مناخ التفاهم بدا يهيمن وبالتالي تلتحق بهذه التسويات وتكريس الاتفاقات .
الإتفاق لمصلحة شعوب المنطقة
وشدد القطب على أن الالتزام بالاتفاق مدخل الاستقرار وتعزيز التعاون وتطوير التعاون الاقتصادي والمالي وتجنب الصراعات، وايران عليها ان تلتزم بتعهداتها الدولية والاقليمية وهذا الاتفاق مع السعودية لا يعفيها من الالتزام بأي اتفاق لاحق يتعلق بمشروعها النووي او بأيه التزامات اخرى يشترطه عليها المجتمع الغربي والمؤسسات الدولية حتى تعود الى الساحة الدولية كدولة تحترم التزاماتها وعهودها، وليست دولة مارقة تظن انها فوق القانون الدولي، وأن بإمكانها احتجاز رهائن او مخالفة قواعد دبلوماسية او التدخل في شؤون دول اخرى او السعي لتشكيل تحالف أقليات على غرار مشروعها الذي دمرّ سوريا وعزز الانقسام العراقي او بناء ميليشيات طائفية مذهبية لا تخدم الا مشروع الفتنة لا اكثر
و طبيعة الاتفاق ومضمونه الذي تم نشره ولا يمكن ان نبني عليه اكثر مما قراناه.
وقد تكون هناك ملحقات سرية أو بنود لم يعلن عنها بعد الا ان العناوين الرئيسية تؤكد ان المملكة العربية السعودية بقيت ثابتة على مواقفها ولم تتراجع رغم التهديدات الايرانية وتهديدات حلفاء ايران وأدواتها في المنطقة وخاصةً الحوثي وحزب الله كما لم تنخدع بالدعوات الايرانية المتكررة للتفاهم ولم توافق المملكة على هذا الاتفاق الا بعد حوار طويل استغرق سنوات وبرعاية الضامن أي جمهورية الصين التي تربطها بايران روابط اقتصادية وتجارية وكذلك بالسعودية مما يجعلها وسيطامقبولا وصاحب علاقات تؤهله للعب هذا الدور، واي تلاعب أو عدم التزام ايراني بمضمون ونصوص الاتفاق سوف يؤدي الى توتر العلاقات بين إيران والصين. لذلك يمكن القول إن السعودية من خلال توسيع أطر علاقاتها الخارجية وتعزيز روابطها الاقتصادية وعدم انخراطها في أي تحالف أو محور يضعها في موقع الخصومة مع أية دولة عظمى أو محاور اقليمية قد استطاعت الضغط على ايران بشكل غير مباشر وبالتالي دفعها للرضوخ لمطالبها والتوقف عن زرع الفتن وتسليح الميليشيات والتدخل في شؤون السعودية كما في شؤون دول اخرى.
الصين وروسيا حلفاء إيران ضد الغرب
واعتبر القطب أن الدور الصيني والروسي لن يكون مهيمناً على منطقة الخليج أبداً لان دور الصين هو الضمان والمتابعة مستغلة علاقاتها الوطيدة مع الطرفين وروسيا وهي تخوض حرباً ضروس ومفتوحة مع اوكرانيا وغير قابلة للحل في المدى القريب استجابت للرغبة السعودية في لعب دور الوسيط وتقديم حلول لتقريب وجهات النظر ووقف الحرب الطاحنة وروسيا بحاجة لوقف هذه الحرب اكثر من اي وقت مضى بعد استنزاف اقتصادها ومؤسستها العسكرية وعلاقاتها الدولية .
الإتفاق يحرج حزب الله
أما في الشأن اللبناني يقول مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان القطب : فإن لبنان سوف يستفيد حتما من تراجع التدخل الايراني أو وقفه اذا التزمت ايران وهنا المشكلة ستبرز في محور حزب الله الذي يعتمد بالكامل على الدعم الايراني كما على الالتزام بالتوجهات الايرانية ووقف العملية السياسية في لبنان وتعطيل الاستحقاقات الدستورية كانت نهجاً ايرانياً للضغط على العالم العربي للرضوخ لمطالبها وتنفيذ شروطها والان وقد اصبحت الكرة في ملعب ايران سنرى حجم التجاوب من قبل ادواتها في لبنان بتخفيف الشروط والنزول الى الساحة المحلية للتفاهم مع القوى الاخرى لتحقيق خرق في أفق سياسة التعطيل المستمرة منذ سنوات.
وهنا يضيف القطب: يجب على اللبنانيين أن يكونوا مدركين لفرصتهم لتعزيز وحدتهم ووضع شروطهم على الطاولة حتى يلتزم حزب الله بوقف سياسة التعطيل وحماية المرتكبين وإلغاء الحدود المفتوحة مع سوريا للتهريب وسواه والانسحاب من سوريا والعراق واليمن ووقف الحملات الاعلامية التي يقدمها لأعداء الأمة العربية بحرية مطلقة و الالتزام من قبل حزب الله هو المعيار والا فإننا سوف نشهد تصعيداً سياسياً وامنياً يعيد تشكيل المنطقة وترتيب اولوياتها .