Jusur

المملكة تفتتح التسويات... والآتي أعظم

طغت على الساحة السياسيّة مسألة استئناف العلاقات السعوديّة- الإيرانيّة بمبادرة صينيّة. واللافت فيما حصل كيف بادر سياسيّو المحور إلى التهليل لهذا الاتّفاق، لكأنّ توقيعه بين البلدين حصل بمبادرة منهم؛ بدءًا بأمين عام منظمة حزب الله وليس انتهاءً برئيس التيّار الوطني الحرّ. وما بينهما ستبدأ جوقة "الممانعجيّين" بالتغريد والتطبيل والتهليل.

تخبّط نصرالله في لبنان

ما يجب ملاحظته فيما حصل ليس هذا الاستئناف للعلاقات من جديد وحسب، بل دور الراعي الصيني الذي على ما يبدو أنّه دخل إلى منطقة الشرق الأوسط من بابها الواسع. ولا بدّ من الملاحظة في السياق عينه التناقض بين طبيعة خطابي أمين عام منظمة حزب الله حيث بدا في الأوّل كذلك الحاكم بأمر الله في الملفّ اليمني بتصريحه في السادس من الشهر الحالي:  "مَن ينتظر تسوية إيرانية - سعودية سينتظر طويلاً، وحلّ موضوع اليمن هو في يد اليمنيين وقيادة أنصارالله". ليعود ويصرّح الخميس في التاسع منه مُباركًا:" "إنّ التقارب السعودي - الإيراني سيكون لمصلحة شعوب المنطقة".
 
وإن دلّ هذا التناقض على شيء فهو يدلّ على أنّ منظمة حزب الله ستكون من أهمّ الأضاحي التي ستقدّمها إيران لإنجاح هذه التسوية. وعلى ما يبدو أنّ التسويات الكبرى بين الدّول تكون بحاجة دائمًا إلى أثمان لإنجاحها، وغالبًا ما يكون الثمن في أضاحٍ ثمينة بالنسبة إلى الرّاعي الدّولي وثمينةٍ بالنسبة إلى أحد أطراف هذه التسوية؛ أو قل بالنسبة إلى طرفَيْهَا.

ما بين الضربات الاقتصاديّة والعسكريّة

وعلى ما يبدو أنّ المواجهة الدوليّة ستحتدم أكثر بين الولايات المتحدة الأميركيّة وأطراف هذه التسوية الثلاثة أي الصين والسعوديّة وإيران. لكن من المرجّح أن تلتزم الصين بالدّور الاقتصادي فقط. لأنّ الاستثمارات مع المملكة تخطّت حدود الـ 87 مليار دولار العام الماضي، وستعمل على زيادتها بعد هذه التسوية. ومع ايران حوالى 17 مليار دولار، وهي تعمل على توسيع دورها في مجالات الاستثمار وإنشاء البنى التحتية في الجمهوريّة الاسلاميّة المتهالكة تحت ضغط العقوبات الأميركيّة، ما جعلها عاجزة عن تأمين أدنى مقوّمات العيش الكريم لشعبها كلّه. أضف إلى ذلك أزمة التعدّي على الحرّيّات التي يواجهها الشعب الإيراني  الأعزل اليوم. مع عدم الاغفال التقدم الذي أحرزه في  التوصل إلى إنتاج القنبلة النووية.
 
وسط ذلك كلّه، لا يستطيع أيّ مراقب إغفال الزيارة التي قام بها وزير الدّفاع الأميركي الأسبوع الماضي إضافة إلى رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي الذي حطّ في إحدى القواعد التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا السبت في الرابع من آذار/مارس. كذلك بدت لافتة زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي جال على الجيش الأميركي المنتشر في المنطقة، فضلاً عن زياراته لقادة أركان الجيوش الحليفة، كما تسميها الولايات المتّحدة الأميركيّة.
 
هذه الزيارات تدلّ على أنّ واشنطن لا تزال تحتل الصدارة العسكرية فضلاً عن تقديمها المساعدات بحرًا وجوًّا وبرًّا، كذلك على الصعيد الاستخباري والتعاون الأمني. كما تنذر أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة تضمر لعمل ما في المنطقة. وفي قراءة للواقع المعترض على تولّي نتانياهو رئاسة الوزراء عند العدوّ الاسرائيلي، ولا سيّما في صراعه مع القضاء؛ يبدو نتانياهو في أسوأ لحظاته. ومعروف عن الاستراتيجيّة التي تتبعها إسرائيل في وقت الأزمات الدّاخليّة حيث تلجأ إلى عمل ما في الخارج، ديبلوماسي أو عسكري لترفع أسهمها في الدّاخل.

تموضع 2030

بالنسبة إلى وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان يبدو أنّه قد حدّد تموضعه الاستراتيجي، وقام بتحييد المملكة في حال حدوث أيّ عمل  عسكري. وذلك ما سيؤمّن له خطوة متقدّمة في اتّفاقيّات ابرهام التي بدأ يُقرَعُ بابها خليجيًّا. ودخوله في الشراكة الاقتصاديّة مع الصين لن يتجاوز هذه الحدود. أمّا عسكريًّا فهو سيدير اللعبة العسكريّة مع الأميركي ولكن بشروطه، لا سيّما بعد نجاحه بتسديد الصفعة إلى الرئيس الأميركي الديمقراطي. وما افتتاح الأمير محمّد بن سلمان التسويات في المنطقة إلا تماشيًا مع رؤيته 2023 التي  وضعها. وعلى ما يبدو أنّ ملفّ اليمن سيتمّ إقفاله بتوقيع اتّفاق سلام برعاية سعوديّة بعد نهاية رمضان.
 
بينما الملفّ اللبناني يعمَلُ على فكفكة ألغامه تباعًا. وعلى ما يبدو أنّ الثمن الذي ستدفعه إيران سيكون باهظًا جدًّا مقابل أن تستمدّ الأوكسيجين الإقتصادي من الصين، لأنّ الرافد الرّوسي يُستنزَف في فيتنام أوروبا، أي أوكرانيا، ولم يعد قادرًا على مدّ الجمهوريّة الإسلاميّة بأيّ دعم. لا بل تحوّل الدعم من إيران إلى روسيا الذي تجلّى بمسيّرات "شاهد" التي ورّطت إيران أكثر فأكثر في الصراع مع الغرب.

في المحصّلة

ويبدو أنّ هذه الاستراتيجيّة التراجعيّة ستنسحب أيضًا على الملفين السوري والعراقي. وأمام هذه المستجدّات الإقليميّة التي بدّلت ستاتيكوات المنطقة برمّتها، يبقى الترقّب والحذر من ردود فعل إيران ومدى التزامها بالشروط التي فُرِضَت عليها في هذا الاتّفاق. فهل من الممكن أن تكون إيران قد انتزعت من الصين وعدًا بدعم ملفّها النووي؟ وهل ممكن أن يكون هذا السبب الوحيد الذي يُقنِع بالتنازلات التي قد تقدم عليها إيران؟ أم هنالك خفايا أخرى سرعان ما ستكشفها الأيام المقبلة؟
الكلمات الدالة
المملكة تفتتح التسويات... والآتي أعظم
(last modified 15/03/2023 06:45:00 ص )
by