خلّف الفقر في العراق "أرقامًا قياسية في معدلات الجريمة" بأنواعها المختلفة، حيث تسلّط وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الضوء باستمرار على جرائم القتل والسرقة وترويج المخدرات، ما يشير إلى ارتفاع عدد المنخرطين في الجرائم المنظّمة. ويقول مختصّون في هذا المجال لـ "جسور" إن الفقر هو الدافع الأول للانخراط في عصابات منظّمة، علمًا بأن غالبية عناصرها هم شباب ومراهقون.
وفي حلقة جديدة من مسلسل الجرائم، روّعت حادثة بشعة الشارع العراقي في الأسابيع المنصرمة، حيث أقدم شخص كان تحت تأثير المخدرات، على قتل والدته وثلاثة من أشقائه بالرصاص، في جنوب مدينة الكوت، عاصمة محافظة واسط المحاذية لإيران.
وأثارت هذه الجريمة صدمة واسعة لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، متحدثين عن التعديات الخطيرة التي بلغتها ظاهرة العنف المجتمعي، وسط انتقادات واسعة من قبل المنظمات المدنية والحقوقية العراقية لضعف الإجراءات العقابية الرادعة.
فعل الأزمة بالمجتمع
وفي هذا الإطار، أكد مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ "جسور" أن ضحايا الجرائم المنظمة الناتجة عن السرقة والسطو المسلح والخطف وتجارة المخدرات والابتزاز والنزاعات العشائرية وغيرها باتت تتجاوز ضحايا العمليات الإرهابية في مناطق كثيرة من البلاد، مبينا أن ضبط السلاح المتفلت لم يعد شعارًا سياسيًا أو محاولة لفرض هيبة الدولة بقدر ما هو ضرورة لحماية المجتمع وأرواح المواطنين.
ويعزو السبب إلى ارتفاع نسبة البطالة في البلاد بشكل كبير، وقد وصلت إلى 40 %، إضافة إلى انخفاض معدلات الدخل ما يدفع الشباب إلى الهجرة أو البحث عن وسائل غير شرعية للحصول على المال.
ومن الملاحظ أنّ ضلوع السياسيين في زيادة نسبة الجريمة أمر مخيف، رفع من حدة التوتر والقلق الاجتماعيين، وأثّر على حياة المواطنين، وفق الباحثة الاجتماعية سجى خالد، التي تعتقد في اتصال مع "جسور"، أن الحكومة تتورّط في زيادة نسبة الجريمة من جانبين، الأول هو عدم حل الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ما أجبرهم على الإقبال نحو الجماعات المسلّحة بسبب العوز المادي.
أما الجانب الآخر، فتحصره في مدى تأثّر الناس بالجريمة، وهو "أمر تبدو آثاره واضحةً على معالم الحياة الاجتماعية، وارتفاع نسب الأمراض والعقد النفسيّة بين المواطنين، غالبها مرتبط بعامل الخوف والقلق المستمر من القتل أو الخطف والسرقة أمام أنظار الأجهزة الأمنية الفاسدة أو المهملة".
أرقام مرعبة
واعتاد العراقيّون على مثل هذه الأخبار غير العادية، جراء سنوات طويلة من العنف والاقتتال اللذين مرّت بهما البلاد ولا تزال، ويشير موقع IRAQI BODY COUNT المختص بإحصائيات العنف في العراق، إلى تصاعد موجات القتل في البلد منذ عام 2003، إذ تم تسجيل مقتل أكثر من 12 ألف مواطن، فيما قُتل ما يزيد عن 16 ألف خلال عام 2016، وهي آخر إحصائية تبنتها الحكومة بشكل رسمي.
وعن هذا الشأن يوضح الخبير القانوني، جمال الأسدي، أنه قبل نهاية عام 2022 تمّ إحصاء أكثر من 5300 ألف جريمة قتل جنائية وبنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11,5 لكل مائة ألف نسمة وهي أعلى نسبة لجرائم القتل في العراق تاريخياً والوطن العربي وإيران وتركيا.
ولفت الأسدي في تصريح لـ "جسور"، إلى أنّ القتل الجنائي في العراق في تزايد مستمر ومن دون معالجات ويقدّر بـ4300 حالة قتل في 2015 و4400 حالة قتل في 2016، وبحدود 4600 في 2017 و 2018، وبحدود 4180 حالة عام 2019، وعام 2020 وصلت حالات القتل إلى أكثر من 4700، وعام 2021 وصلت جرائم القتل إلى أكثر من 5000 جريمة قتل.
ويشدّد الأسدي، على أنّ العراق بحاجة لإدارة الملف الأمني بعقلية علم الجريمة قبل إجراءات العقاب، كما يحتاج إلى تحديد الأسباب الجرمية قبل البحث عن آليات التحقيق التعسفي، وبحاجة أيضا إلى تحديث العقلية التحقيقية والإستخباراتية قبل البحث عن الطرق العنفيّة، هذا فضلا عن إعداد خريطة الجرائم الجنائية وغيرها قبل البحث عن زيادة الأفراد غير المجدية.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، قال الأسدي في مقال نشره على مواقع محلية إن "التحقيق الجنائي ومنظومة التشريعات العقابية هي من أهم أسباب استمرار زيادة الجريمة في العراق، إضافة الى الأسباب الطبيعية الأخرى التي تتحمّلها وزارة الداخلية بالخصوص".
مكافحة الجرائم
وكان مدير مكافحة إجرام بغداد الرّصافة، العميد شاكر لفتة، أكد في وقت سابق "انخفاض معدلات الجرائم خصوصًا القتل والخطف والسرقات من خلال نشر الدوريات ونصب الكمائن والعمليات الاستباقية في جميع مناطق العاصمة".
كما أعلن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بدوره عن تراجع "ملحوظ" بمعدلات الجرائم الجنائية المسجلة في العراق.
وحول تسلّم الملف الأمني في المدن العراقية من قبل وزارة الداخلية بدلاً من الدفاع قال الشمري، إن واسط والديوانية والمثنى تعتبر محافظات مستقرة تمامًا، وأغلبية التواجد فيها هي لقطعات وزارة الداخلية، مبينًا أن قسم الشرطة هو المسؤول الأمني في تلك المحافظات، وأفواج الطوارئ ساندة له، والعناصر الأمنية كافة بأمرة قسم الشرطة.
كما أشار إلى أنّ الإعتماد سيكون على المعلومات الاستخباراتية ودعم جهاز الإستخبارات في المحافظة وتطويره لملاحقة المجرمين وتعقّب العصابات الإجرامية.
وتابع الوزير بالقول إن هناك انخفاضًا واضحًا في معدلات الجرائم الجنائية في العراق مؤشر لدينا في التقييم للشهر الماضي.