تصاعدت وتيرة الخلاف بين العراق وشركة النفط الفرنسية توتال إثر الاجتماع الأخير في باريس بين الرئيس التنفيذي للشركة باتريك بوياني ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فتبعثرت أوراق المفاوضات وعادت إلى نقطة الصفر.
كانت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي قد أبرمت في سبتمبر/أيلول من عام 2021، اتفاقاً مع شركة توتال بتكلفة قدرها 27 مليار دولار، حصل معها العراق على فرصة ذهبية لاعادة إعمار بنيته التحتية المدمّرة بفعل الحروب الطويلة والنهوض بإقتصاده المترنح تحت وابل العقوبات الدولية، إلا أن التطورات المفاجئة في الملف أعادت خلط الأوراق وعكست واقعاً سياسياً هشاً، غير قادر على تصويب مسار البلد بالاتجاه الصحيح لانتشاله من أتون نزاعات محلية وخارجية مزقته على مدى سنوات.
ومع تعثر المفاوضات بسبب شروط ألغتها الحكومة الجديدة في البلاد بدأت شركة توتال للطاقة في عملية سحب موظفيها من العراق مع ازدياد المخاوف بفض الاتفاق نهائياً.
رفع الفيتو الإيراني
الاستثناءات المحدودة التي شهدها العراق لتطويق أزماته، لطالما كانت مهدّدة وفي هذا الإطار يشير المحلل السياسي العراقي الدكتور الناصر الدريد في حديث لـ "جسور" أن "موافقة إيران على كل ما ينفّذ في العراق أساسية" فهي سبق وأن "وضعت فيتو حال دون مجيء شركات عالمية مهمة للاستثمار في الملف النفطي خلال السنوات الماضية رغم العروض العديدة المقدمة".
وأوضح أن الهدف من الفيتو الإيراني، دعم ومجاراة طيران حليفها الروسي لتحقيق طموحاته في الاستيلاء على الأسواق الهندية والصينية وإزاحة كل نفوذ دول الشرق الأوسط وأبرزها العراق في الطاقة".
بالتالي بات تحويل سوق الطاقة العراقية من آسيا وتحديداً الهند والصين المستهلكان الأكبر لها نحو الدول الأوروبية أولوية لدى إيران.
سبب سياسي آخر رجح الدريد أنه يحرك إيران أيضاً "حيث يراهن الإيرانيون على طرد أو جلب الفرنسيين لساحتهم عن طريق العراق ولا يخفى على فرنسا وكافة الدول أن الكل يعمل في العراق بموافقة إيران".
منافسة أوروبية
ولفت الدريد إلى عنوان أساسي يرافق المرحلة الجديدة في العراق "المنافسة في سوق الطاقة" مؤكداً أن "الساحة العراقية باتت مفتوحة بشكل جاد للأوروبيين أكثر من أي وقت مضى وتشهد تزاحماً بين شركات عالمية مثل سيمنز وتوتال وجنرال الكتريك للاستثمار في سوق استهلاكية جداً واعدة وهائلة تضم 40 مليون نسمة وتحوي على بنى تحتية مدمرة بشكل شبه كامل".
واعتبر أن الشركة الألمانية سيمنز الأوفر حظاً في دخول سوق الطاقة العراقية والحصول على الموافقة الإيرانية لسببين "أولاً لأن مواقف ألمانيا تجاه إيران ليست حادة كما مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا".
والسبب الثاني يعود، وفقاً له، لكون "الفرنسيين يتميزون بالحدية في قضايا التنافس التجاري ولا يقبلون بكثير من الأخذ والرد".
غضب فرنسي
وتحدث الدريد أيضاً عن غضب فرنسي "يبدو جزءاً من سمات الفرنسيين في مرحلة ماكرون، فهم ضيقو الصدر فيما اللعبة في العراق تحتاج إلى نفس طويل أكبر مما يملكون" واعتبر أنه "كان عليهم كحلفاء أساسيين دخول السوق العراقي بأي شكل من الأشكال".
كما أشار إلى أن فرنسا ماكرون "كانت تعتقد أن لها الأفضلية في دخول سوق الطاقة العراقية ثم اتضح لها العكس متناسية أن السوداني لا يملك القرار بل يخضع لأجندة خارجية إيرانية".
الاستسلام
وانتقد الدريد استسلام الدولة العراقية للأمر الواقع وعدم دفاعها عن حقها في أسواقها الاستهلاكية للطاقة "فقد انسحب العراق من دون أدنى قتال من السوق الهندية الأكبر بالنسبة له في تصدير الطاقة فاسحاً المجال للروس ليستولوا عليها بأوامر إيرانية".
وكان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية توتال باتريك بوياني وقع في بغداد في السادس من سبتمبر/أيلول 2021 بالأحرف الأولى على الاتفاق مع الحكومة العراقية، والذي يفترض أن يستمر 25 عاماً.
ونقل البيان عن بوياني قوله إن "هذه الاتفاقات تجسد عودتنا إلى العراق من أوسع الأبواب، البلد الذي ولدت فيه شركتنا عام 1924".