بات ما يسمّى بـ "المحتوى الهابط" هو السمة الأبرز لأغلب ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، خصوصًا تطبيق "تيك توك"، مهددًا تماسك المجتمع بشكل عام، بل يسهم صنّاعه أيضًا في إفساد فئة الشباب كونها الأكثر تأثّرًا وفق مراقبين.
ففي الأيام القليلة الماضية، أثار اعتقال عدد من مشاهير السوشيال ميديا في العراق من بينهم البلوغر غفران مهدي سوادي، المعروفة باسم (أم فهد)، جدلاً واسعًا، بعد أن شنّت وزارة الداخلية حملة اعتقالات في العاصمة وعدد من المحافظات ضد من ينشرون محتويات وصفتها الوزارة بـ (السيئة) وغير اللائقة وبما لا ينسجم مع الآداب العامة.
وفي هذا الإطار، يشدّد خبراء عبر "جسور" على ضرورة وضع ضوابط أخلاقية وقانونية تحكم هذا المحتوى وترفع من قيمته.
أحكام قضائيّة بحق متهمين
وبعد استدعاء "أم فهد" في 26 يناير/كانون الثاني 2023 على خلفية طلب مقدّم من قبل وزارة الداخلية، أصدرت محكمة جنح الكرخ، الاربعاء، حكمًا بسجن البلوغر الشهيرة لمدة 6 أشهر بتهمة نشر محتويات مسيئة للآداب العامة، كما أصدر القضاء العراقي حكمًا آخر بسجن "حسن صجمة" لمدة سنتين لقيامهما بنشر عدة أفلام وفيديوهات تتضمن أقوالًا فاحشة ومخلّة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح إعلام القضاء أن الحكمين بحق المدانين يأتيان استنادا لأحكام المادة 403 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 المعدّل.
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى سبق وأن وجّه محاكم التحقيق باتخاذ الاجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب تلك الجرائم، وأكد بتاريخ اليوم 8 /2 /2023 الأعمام على المحاكم كافة بخصوص هذا الموضوع بغية تحقيق الردع العام.
تهديد الأمن القومي
وفيما تردّدت أنباء عن وجود حملة للقبض على بعض صنّاع هذا المحتوى، نفت الداخلية الأمر، وأشارت ضمنًا إلى وجود إجراءات ضد المحتوى المهدد للأمن القومي والمثير للطائفية بعد تأكيدها ضرورة الحد من "انفلات الحريات"، فيما تزامن هذا مع توجّه بعض "الفاعلين" إلى تقديم اعتذار عن محتواهم الذي يعدّ "هابطا"، في ظل تحذيرات من مساهمة ما ينشر "بالانحراف الأخلاقي"، وملاحقته وفقا لقانون العقوبات، الذي يصل للسجن مدة عام.
وتوضح الوزارة، أن القانون بصورة عامة وجد منذ البداية لتقنين وتحديد الحريات، ولهذا يجب أن تكون حرية الإنسان منسجمة مع حرية الآخرين، ولا تتعارض معها، وألا يمارس الشخص حريته بالاعتداء على الآخرين وتهديد حياتهم أو يسبّب لهم أي ضرر، ولهذا فالقانون هو تقييد لانفلات الحريات، والحرية مسموحة وفق ضوابط وحدود.
عادات غريبة
في المقابل، يرى المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي، أن بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت سببًا رئيسًا في انتشار الكثير من الحالات الدخيلة على المجتمع العراقي مثل الفساد الأخلاقي وحتى حالات الانتحار، بسبب ابتزاز بعض الفتيات عبر هذه المواقع بسبب سوء استخدامها.
ويشدد في اتصال مع "جسور" على ضرورة متابعة الجهات الأمنية المختصّة لما ينشر من محتويات تسيء لسمعة العراق والعراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المحتويات تدفع الكثير إلى الانحراف الأخلاقي بمختلف مستوياته، ولهذا يجب منع تلك المحتويات من الانتشار لمنع امتداد الفساد في المجتمع بشكل أكبر وأخطر.
وتابع السامرائي: "بعد ارتفاع وتيرة النشر السلبي للمتطفلين على السوشيال ميديا، وبث مقاطع تخدش الذوق العام، وتتنافى مع أخلاق وآداب المجتمع العراقي، المحافظ بطبيعته، والذي يحمل مستوى ثقافيا وقيميا بين الشعوب العربية، كان لا بد من اتخاذ إجراءات صارمة بحق الاشخاص غير المنضبطين وصانعي المحتوى الهابط، لأغراض الشهرة وتحقيق أكبر عدد من المتابعين، وبدلاً من أن تتم الاخذ بجناية البعض لتصيب الكل، تحمّلت الداخلية العراقية مسؤوليتها ومهامها وقدّمت المخالفين للقضاء، استجابة للطلب الشعبي والجماهيري، الذي يرفض هذا النوع من التعبير عن الرأي."
وشدّد السامرائي لـ "جسور"، على أهمية مواصلة الجهود المبذولة من قبل المعنيين لردع هذه الظاهرة الخطرة، وتجاوزها محاولات الضغط والتدخل السلبي من قبل بعص المتنفذين والمسؤولين لإطلاق سراح المخالف والمتعدي على ثقافة وآداب وقيم المجتمع بشكل عام.
الرأي القانوني
وفي السياق، تقول المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن 200 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتابا أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوما أو صورًا أو أفلاما أو رموزا أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".
ويوضح الخبير القانوني علي التميمي لـ "جسور"، أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين النقد والانتقاد والخيط الفاصل يحتاج إلى تأنٍ ودقة في القول والكلمة عندما تكون داخل الإنسان هو من يتحكم بها ولكن عندما تخرج هي التي تتحكم به وحرية الرأي لا علاقة لها بالجريمة وذكر الأسماء دائما هو الخطر، مبيّنا أنّ ما يشكّل جريمة هو الانتقاد الذي يعاقب عليه القانون.
وفي حديثه لـ "جسور"، يقترح التميمي أن تتولى هيئة الاعلام والاتصالات مسؤولية المراقبة من خلال تفعيل قسم مختص يضم عددًا من خبراء الإعلام والقانون، على أن يكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة لمراقبة ما ينشر عبر الإنترنت، وإحالة ما يخالف القانون للقضاء، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة تشريع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ليكون حلا لمثل هذه الجرائم الشائعة.