في سقوط لا قاع له، يتواصل انهيار الليرة اللبنانية إلى مستوى جديد وغير مسبوق مقابل الدولار الأميركي. وفي لبنان لا توجد نظرة موحّدة لكيفية الخروج من الأزمة الاقتصاديّة المُستفحلة، فمن الناحية السياسية، الشرخ كبير بين الأفرقاء السياسيين على التعاون مع صندوق النقد من خلال برنامج معيّن، ودائمًا ما يدفع المواطن ثمن المحسوبيّات والمصالح الضيقة.
مشكلة لبنان في هيكله وعدم الثقة في سياسييه وقضاته، والاشتباك القائم مع المجتمع الدولي منذ تعثّر لبنان عن سداد ديونه.
أسئلة كثيرة تدور حول مصير العملة الوطنية اللبنانيّة التي فتحت باب المُقارنة أمام سيناريوهات دول أخرى، فهل وصل لبنان الى انتفاء الليرة اللبنانية؟ وهل تُستبدل؟ هل يقترب لبنان من النموذج الفنزويلي؟ وهل الخروج من الأزمة شبه مستحيل.
التضخم المُفرط
في هذا الإطار، يقول الصحافي والكاتب الإقتصادي اللبناني منير يونس في حديث لـ"جسور" إننا عشيّة التضخم المُفرط مؤكدًا "ألا تخلّي عن الليرة اللبنانيّة إنما الذي سيحصل هو فقدان الليرة لقيمتها أكثر فأكثر وازدياد التضخّم مع زيادة الدولار الجمركي فمثلاً الدولار الجمركي اليوم 45 ألفا وسيرتفع في المستقبل ربما الى 60 ألفا أو 70 ألفا لأن الأمر مُتعلّق بارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق الموازي ليرفعوا قيمة الدولار الجمركي".
فنزويلا وزيمبابوي والحلقة الجهنميّة
وبحسب يونس "إنها الحلقات الأولى أو التمهيديّة للتضخم المُفرط التي مرّت به فنزويلا وزيمبابوي، ولبنان على عتبة هذا السيناريو". ويرى أن "هذه الحلقة الجهنميّة لن تنكسر قريبًا لأننا نعيش في فراغ رئاسي سيطول، وحكومة تصريف الأعمال تُمارس أسوأ الأعمال ونجيب ميقاتي (رئيس الحكومة اللبنانية في تصريف الأعمال) يعيش في مناكفات يوميّة مع جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحرّ) ويحمي البنكرجيّة(أصحاب المصارف) وبالتالي فإن أولويّاته في مكان آخر، والإتفاق مع صندوق النقد في حالة موت سريري، ما سيفاقم الأوضاع أكثر خلال الأشهر المُقبلة ".
أمر مفصلي
ويتابع يونس في حديثه لـ"جسور" قائلا: للخروج من الأزمة يجب أن يحصل أمر مفصلي أساسي بتدخّل دولي يقضي بفرض صيغة لها علاقة بالإنتخابات الرئاسيّة على أن يستكمل الشعب اللبناني تنفيذ الشروط المُسبقة للاتفاق مع صندوق النقد، مشيرًا إلى أنه "إن بدأ هذا المسار اليوم فيلزمه أشهر طويلة للسير به وبلوغ الإصلاح، في الأثناء حتمًا ستفقد الليرة اللبنانيّة من قيمتها أكثر وتزداد الدولرة وتتوسّع سواء بالتسعير أو حتى بالرواتب، وبالتالي أمامنا أشهر طويلة من المعاناة والتضخّم الإضافي".
كيف يعيش اللبنانيون؟
ويعتبر يونس أن "الفقر لن يزداد كثيرًا بين اللبنانيين بفعل الدولرة وتأتي المداخيل بالليرة ولكن أكثر من ثلث السكان يعيشون في الفقر المدقع اي بدولارين وما دون في اليوم أضف إليهم ثلث الفقراء الآخرين ويبقى 25 الى 30% يصلون الى مصادر دخل بالدولار الأميركي سواء من تحويلات المغتربين أو من دولرة الرواتب داخليّا أو من التجارة أو الخدمات التي هي أيضًا مُدولرة بجزء أساسي منها".
سيناريو فنزويلا
يعيش لبنان اليوم أزمة اقتصادية هي الأصعب في تاريخه رغم تعرّضه لحروب داخليّة وخارجيّة عديدة في الماضي إلا أنها لم توصل البلد الذي لطالما تغنّى بلقب "سويسرا الشرق" إلى ما وصل إليه اليوم.
ومقارنةً مع فنزويلا، كانت الأخيرة إحدى أغنى دول القارة اللاتينية خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي وصاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم وكان اقتصادها معتمدًا بغالبيته على هذه الثروة الهائلة.
وبفعل أزمة النفط العالميّة وانهيار أسعار برميل النفط وقعت الكارثة غير المتوقعة في البلاد، تزامنًا مع اجراءات حكومية اشتراكية وقصيرة الأجل تعتمد على الدعم المباشر والاعتماد أكثر على النفط وحده، بالإضافة لاتهاماتٍ بتفشّي الفساد في مختلف المستويات ودخولها في صراعات سياسية كبرى.
وسريعًا تدهور الحال في تلك البلاد بحيث انهار الاقتصاد الفنزويلي، ووصلت نسبة التضخم المتراكم في البلاد اليوم إلى 3684%، وبات ارتفاع الأسعار جنونيًا بشكل شهري إلى أن وصل الى 409,2% قبل اشتداد الأزمة عام 2013، فانهارت العملة الفنزويلية وألقيت بالشوارع الى أن وصل معدل راتب الشخص الواحد الى 6 دولارات شهريا. فهل بانتظار لبنان سيناريو مشابه لذلك الفنزويلّي؟