يشعرون بشتى الأزمات المحيطة بهم، بعضهم يتألم بصمت والبعض الآخر يفجّر معاناته على طريقته. إنهم أطفال لبنان الذين عايشوا، خلال السنوات القليلة الماضية ثلاث من أسوأ الأزمات العالمية والمحلية، تركت انعكاسات نفسية سلبية على عودهم الطري والهش، وفرضت احتواءهم بطريقة صحيحة لحماية مسار حياتهم.
فما كاد هؤلاء الأطفال يطوون صفحة جائحة كورونا وينسون انفجار مرفأ بيروت حتى وضعهم الانهيار الاقتصادي والمالي أمام واقع جديد لا يقل مرارة، إذ أجبروا على التكيّف مع الحرمان والتقشف.
مرونة الأطفال
وفيما تعتبر إحدى الدراسات في علم النفس أن الحياة النفسية للأطفال تبنى قبل سن السادسة إلا أن المعالجة النفسية العيادية الدكتورة ريتا ماريا حويلا أكدت لـ"جسور" أن الحلول موجودة بعد تلك المرحلة المهمة من حياة الطفل "يجب الأخذ بعين الإعتبار أن الطفل يملك مرونة وليس صحيحًا أننا غير قادرين على التدخل كأهل ومعالجين للمساعدة".
وأضافت "خلال السنوات الأولى من عمر الأولاد يجب العمل على تنمية مهاراتهم الاجتماعية لذلك يزداد الأمر صعوبة عندما يصبحون في عمر متقدم أكثر".
دور الأهل بخطوتين
وإذ لم تخفِ حويلا دقة المرحلة وصعوبتها على الأهل، لفتت إلى أن مسؤولية كبيرة تقع على كاهلهم لمنع الأزمات من ترك ضرر نفسي كبير على أولادهم، وذلك عبر خطوتين أساسيتين "أولاً أن يحاولوا قدر الإمكان عدم السماح لأولادهم بعيش أجواء ما يحصل".
أما الخطوة الثانية والأهم، كما تابعت تتمثل في " معرفة الأهل أنه خلال الضائقة الاقتصادية، كل ما له علاقة بالمال لا يقارن بما يمكنهم منحه لأولادهم من وقت ومحبة واهتمام " مشيرة إلى أنه "لا مشكلة في تأمين متطلبات الأطفال بنسبة أقل من السابق".
ولفتت إلى أن بعض الأطفال "لا تظهر عليهم أي عوارض لأن ذويهم خففوا عنهم القلق ولم يسمحوا لهم بمشاهدة التلفزيون ورؤية الكوارث".
دور المدرسة
للمدرسة أيضًأ دورها الهام في مواكبة تداعيات الأزمات الحالية على الطلاب، وفقًا للمعالجة النفسية والعيادية "لا يطلب من الأساتذة تشخيص حالة الطالب إنما يجب توعيتهم حول كيفية التعامل مع أي طفل يعاني من صعوبات تعليميّة أو سلوكية وتجنب التسبب له بمزيد من الأذى".
العلاج النفسي
أما عندما يعجز الأهل والمدرسة عن التخفيف من الضغط النفسي والقلق لدى الأطفال، يأتي الحل عبر تدخل المعالجين النفسيين، كما أشارت حويلا وأوضحت، "العائلات التي لا تملك القدرة المادية على دفع تكاليف العلاج النفسي، يمكنها التوجّه إلى مراكز مجانية أو شبه مجانية تساعد أولادها على تلقى العلاج".
ولفتت حويلا إلى أنها تستقبل أيضًا في عيادتها بعض الآباء والأمهات "يلجأون إلينا كمعالجين لأنهم يعانون من التعب ولا يرغبون بأن تنعكس همومهم على أطفالهم فنعمل بالتالي على إراحتهم".
هذا العمل المتكامل يخفف حتمًا من وطأة انعكاس الأزمات المتتالية من الناحيتين العاطفية والسلوكية لدى الأطفال سواء في المنزل حيث يجد العديد منهم صعوبة في التفاعل مع اخوته ومع أولاد جيلِه بسبب التزامه المنزل لفترة طويلة، أو في المدرسة حيث يعاني أطفال كثر من صعوبات أكاديمية واضطراب في الحركة الزائدة وانعدام التركيز إضافة إلى تغيّر في السلوكيات.