توجهت الأنظار إلى قلعة غازي عنتاب التاريخية في تركيا والمدرجة على قائمة اليونيسكو للمدن الإبداعية، بعد أن ألحق زلزال عنيف أضرارا هائلة فيها رغم صمودها لما يزيد عن ألفي عام في مواجهة زلازل ناشطة حولها كما تصديها لغزوات متعاقبة على مرّ العصور.
في السادس من فبراير/شباط ضرب زلزال عنيف بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر مناطق واسعة من تركيا وسوريا مخلفاً دماراً في المباني وحاصداً آلاف الأرواح، وأدى مروره إلى تدمير بعض الأجزاء الشرقية والجنوبية والجنوبية الشرقية من قلعة غازي عنتاب والتسبب بشقوق كبيرة في معاقل أخرى منها.
أسباب الصمود والانهيار
ما حلّ بالقلعة من دمار "لم يكن في الحسبان" كما أكّد أستاذ هندسة العمارة في الجامعة اللبنانية عماد مراد في اتصال مع "جسور" موضحاً أنها صمدت لقرون وحافظت على أسوارها بفضل "نوعية وضخامة الحجارة التي وضعت في بنائها كما ضخامة جدرانها" وأضاف أنها "بنيت بهذه الطريقة لعلم مسبق بأنها موجودة على فيالق زلزالية وذلك بهدف تفادي انهيارها".
وأشار إلى أن "عاملين تسببا بانهيار القلعة الأول حدوث الزلزال مباشرة تحتها والثاني عدم عمقه، الأمر الذي لم يحدث مع الزلازل التي ضربت المنطقة في السابق، فالزلازل تقاس بحسب عمقها ومدى قربها من المكان"
تطور القلعة عبر التاريخ
وكشف مراد عن أبرز الحقبات في تاريخ قلعة غازي عنتاب "بنيت القلعة في الفترة الحيثية أي قبل الميلاد لكن ضخامتها تعود لازدهار الإمبراطورية الرومانية وتحديداً خلال العقود الثلاثة الأولى بعد الميلاد ثم توسعت مع التاريخ البيزنطي واتخذت شكلها الحالي بين القرن الخامس حتى القرن السابع بعد الميلاد حيث ارتفعت أبراجها وأسوارها كما شكلت مركزاً عسكرياً كبيراً جداً في القرن السادس" مرجحاً أن يكون "الامبراطور جوستينيان من قام بدعمها وتوسعتها إذ عرف عنه اهتمامه ببناء القلاع في سوريا والعراق وتركيا".
وأوضح أن شكلها الحالي في بعض الأماكن، يدخل ضمن العمارة المعاصرة حيث "تم تجديدها منذ بضعة عقود بعد تحويلها إلى متحف".
وأعاد مراد التذكير بموقع القلعة الاستراتيجي فهي "تقع وسط مثلث يربط بين حضارات مختلفة من العثمانية إلى العربية كما الفارسية كما أنها قريبة من البحر المتوسط".
إعادة إعمار أم دمار؟
من جهة أخرى أكدت مصادر متخصصة في علم الآثار لـ "جسور" أن قلعة غازي عنتاب لم تدمر نهائياً، موضحة أن هول المصيبة يبدأ كبيراً ثم تخف وطأته عندما تتكشف وقائع جديدة.
وأشارت المصادر إلى أن إدراج القلعة على قائمة الأونيسكو يعزز بشكل كبير من عملية إعادة ترميمها، لكن الأمر يتطلب توجه مجموعة من الخبراء الأثريين والمهندسين التابعين لمديرية الآثار التركية الى المكان للمعاينة وتقييم الأضرار" مرجحة أن تترافق العملية مع دعم من خبراء دوليين.
كما لفتت المصادر إلى أن "ذكاء الاختصاصيين ومدى احترافهم يساهمان إلى حد كبير في إعادة معالم أثرية إلى ما كانت عليه إضافة إلى وجود وثائق كافية عنها والحل الآخر يكون في تحويلها إلى معلم للذاكرة الجماعية".
وأضاءت المصادر على المتاحف المنتشرة في تركيا حيث "يقوم الخبراء بتقييم الأضرار في المتاحف ويتخذون القرار النهائي بوجوب إخلائها من عدمه".
قلعة غازي عنتاب حجرية بُنيت في الفترة الحيثية قبل الميلاد، على مساحة 1200 متر، ويُعتقد أنها أقيمت في مدينة هيلنيستك التي بناها قدامى الإغريق، وعرفت بعد ذلك باسم عنتاب، قبل أن يقرّ البرلمان التركي إضافة كلمة "غازي" على اسم المدينة سنة 1921.
بقيت القلعة صامدة مع تعاقب العديد من الإمبراطوريات على بلاد الأناضول، لتشهد على مرور الفرس والمقدونيين والإغريق، وصولا إلى حكم الرومان. واليوم تشهد تصدعات بفعل ارتدادات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا فجر الاثنين.