يبدو أن برودة الطقس في تونس أثرت على أجواء الانتخابات النيابية، اذ سيطرت حال من الصقيع على مراكز الاقتراع التي سجلت نسبة متدنية في الاقبال على التصويت في الدورة الثانية بلغت 11.4%، في وقت كانت نسبة المشاركة في الدورة الأولى 11.22%. وبالتالي يكون زهاء 90% من الناخبين قد عزفوا عن التصويت.
تونس التي مثّلت لسنوات طويلة أيقونة الثورات العربية سطرت التاريخ بعدما سجلت أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي عام 2011 بعد انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. واللافت أن الاستحقاق الانتخابي مرّ مرور الكرام وغابت طوابير الناخبين ولم تشهد البلاد تنافسا حادا بين المرشحين.
ويمثل هذا الاستحقاق المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس قيس سعيّد أبرزها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي. في وقت، اعتبر سعيّد أن عزوف غالبية التونسيين عن المشاركة في الانتخابات يعود الى أن البرلمان لم يعد يعني شيئا لهم.
سعيّد انتهى سياسيا؟
وبينما يقول البعض إن الرئيس قيس سعيد فشل في حشد الشارع خلف مساره السياسي، يرى آخرون أن استكمال الانتخابات يؤدي الى انتخاب برلمان يستطيع القيام بدوره الدستوري.
وفي السياق، لفت المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان في حديث لـ"جسور" الى أن "الانتخابات تمت بشفافية مطلقة أي لم تشهد أي نوع من التزوير، ناهيك عن أن الانتخابات حصلت وللمرة الأولى وفق المعايير الديمقراطية العالمية الملتزمة. والمهم أن استكمال المسار الانتخابي بدورتيه الأولى والثانية سيؤدي الى تشكيل البرلمان للاضطلاع بدوره مهما كانت نسبة التصويت."
وأضاف "يعود ارتفاع نسبة العزوف عن الانتخابات الى عدم ثقة التونسيين بالمجلس النيابي والى خيبة أملهم بسبب تدهور المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا وأن خصوم سعيّد يسعون الى استغلال الأوضاع المعيشية ذريعة للعودة للوراء بادعاء أن الشعب يرفض مسار 25 يوليو/تموز 2021."
ويعتبر "أن انتهاء الدور الثاني من الانتخابات سيعبد الطريق أمام برلمان جديد يسمح بملء الفراغ التشريعي الراهن، وينقل البلاد من المرحلة الاستثنائية إلى مرحلة استقرار دائم، بغية التركيز على مصلحة التونسيين وتحريك العجلة الاقتصادية وطمأنة الفاعلين الدوليين."
في المقابل، شدد المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم في حديث لـ"جسور" على أن "سعيّد انتهى سياسيا وباتت كل وعوده حبرا على ورق وإصراره على الهروب الى الأمام لتنصيب برلمان تابع له من دون صلاحيات سيزيد في تخبط البلاد خصوصا أنه يرفض الإقرار بالخسارة المدوية".
وتابع "عزوف الناخبين بمثابة صفعة لسعيّد لأن ذلك أثبت أن مشروعه الانقلابي فشل في حشد الشارع خلفه، وبالتالي المجلس الذي ستفرزه هذه الانتخابات لن يجد اعترافا من القوى السياسية ولا من المواطنين".
جهات مقاطعة
وقاطعت غالبية الأحزاب الانتخابات، معتبرة أن ما قام به سعيّد انقلابا على الشرعية بعدما جمد البرلمان السابق وأقال الحكومة وألغى دستور 2014، قبل أن يصيغ دستورا جديدا ويعدل قانون الانتخابات ليصبح بنظام الاقتراع على الأفراد بعدما كان على القوائم الحزبية.
وفي التفاصيل، طالبت خمسة أحزاب تونسية، هي التيار والقطب والجمهوري والعمال والتكتل، بالوقف الفوري لما سمته الانقلاب وبتنحي سعيد عن الحكم وإلغاء دستور 2022 . وقالت في بيان مشترك إن البرلمان المنبثق عن الانتخابات الأخيرة فاقد للشرعية وأن برلمانا صوريا من دون صلاحيات تشريعية ولا رقابية فعلية لن يكون إلا ديكورا من دون تأثير على السياسات العامة.
واعتبر الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي أن أي سياسي له ذرة من الشرف يجب أن يستقيل بعد نتائج هذه الانتخابات، وأكد أن المهمة الأساسية تكمن في تعجيل نهاية هذه المأساة المضحكة وإقالة سعيّد واستعادة المسار الديمقراطي.
ويذكر أن البرلمان العتيد لا يتمتع بصلاحيات واسعة للتشريع والرقابة على السلطة كما كان في النظام البرلماني المستمد من دستور 2014 الملغى من قبل سعيّد، اذ ستكون صلاحياته محدودة ولا يمكنه عزل الرئيس أو مساءلته.