كشفت التطورات الأخيرة في تحقيقات تفجير مرفأ بيروت عمق الانقسام السياسي في البلد وانعكاسه على الجسم القضائي من جهة وعلى الأجهزة الأمنية من جهة أخرى، وأعادت توحيد صفوف المعارضة داخل المجلس النيابي من خلال التقائهم على نقطتين رئيسيتين:
- أولاً: رفض الانقلاب على القضاء خصوصا بعد القرارات الذي اتخذها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ردا على قرارات قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار (الذي عاود متابعة التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت مستندا إلى اجتهاد صادر عن رئيس المجلس العدلي الأسبق القاضي الراحل فيليب خير الله).
- ثانياً: الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية ولهاتين الغايتين كان الاجتماع الموسع الذي عُقد آواخر الأسبوع الماضي والذي شارك فيه 40 نائبا (من الكتل السياسية المعارضة المختلفة) أي حوالى ثلث أعضاء البرلمان، والذي انتهى بإصدار نداء دعوا فيه إلى محاسبة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، والى ضرورة الالتزام بالدستور لجهة انتخاب رئيس للجمهورية خصوصا وأن مجلس النواب اليوم هو هيئة ناخبة.
المعارضة تتوحد من جديد
في هذا السياق علمت "جسور" أن هذا الاجتماع لن يكون الأخير وهو بداية لتصعيد جديد من قبل المعارضة التي تسعى إلى توحيد صفوفها بما يتناسب مع دقة المرحلة رغم الاختلاف الحاصل بين الكتل السياسية على ملفات عديدة.
وقد علمت "جسور" أيضا أن المعارضة الجديدة قد لا تبقى محصورة بالنواب الذين وقعوا على النداء الذي كتبه النائب ملحم خلف وتلاه النائب وضاح الصادق من قاعة المجلس بل قد تتوسع أكثر فأكثر لتشمل شخصيات وفاعليات سياسية، قانونية، فكرية، ثقافية، اقتصادية .. فهل سنشهد بريستول 2 تمهيدا لولادة حركة شبيهة بقوى الرابع عشر من آذار؟
الصادق: 14 آذار فكر استقلالي
لا ينفي النائب وضاح الصادق أن 14 آذار كانت ولا تزال أهم فكر استقلالي - سيادي في تاريخ لبنان ويقول في حديثه لـ "جسور" نحن اليوم كجبهة معارضة جديدة متمسكون بمبادئ 14 آذار لناحية سيادة واستقلال لبنان، المشكلة لم تكن يومًا بمبادئ هذه الحركة الاستقلالية إنما بأحزابها التي قادتها إلى مكانٍ آخر، لذلك نحن نتبنى 14 آذار الفكر وليس الممارسة.
يضيف: "منذ فترة ونحن نسعى كمعارضة داخل المجلس النيابي إلى توحيد صفوفنا أقله على المواضيع الأساسية، لكن المشكلة كانت عند بعض النواب الذين يرفضون التعاون مع نواب بعض الأحزاب التي سبق لها أن شاركت في السلطة، لكن المستجدات التي حصلت الأسبوع الماضي لناحية التحقيق في تفجير المرفأ وما رافقه من استغلال قوى السلطة لما حصل من أجل إلغاء التحقيق فضلاً عن موضوع الاستحقاق الرئاسي دفع بنا إلى التوحد أقله على نقطتين أساسيتين هما رئاسة الجمهورية والتحقيق في تفجير المرفأ. لذلك اجتمعنا حوالى 45 نائباً في المجلس النيابي وأصدرنا نداءنا الذي تركز على بعض النقاط الأساسية، في طليعتها انتخاب رئيس جديد للبلاد يكون سياديا وإصلاحيا قادرا على محاربة الفساد ووضع لبنان على السكة الصحيحة بعيدًا من التسويات التي أدت منذ عام 2011 لسيطرة الحلف الثلاثي على البلد المتمثل بحزب الله، التيار الوطني الحر وحركة أمل الذين أوصلوا البلد إلى ما وصلنا إليه اليوم".
أما النقطة الثانية يتابع الصادق هي معركة تحقيقات مرفأ بيروت وقد رأينا ما الذي حصل في هذا الملف، ونحن كقوى معارضة لدينا تخوف من سحب هذا الملف من يد القاضي طارق بيطار وأن تختفي معه معلومات أساسية وأن يصار إلى تغيير مجرى التحقيق كما حصل في العديد من القضايا - وهذا ما يسعى إليه الفريق الآخر – وإن نجحوا في ذلك فهذا يعني أن القضاء في لبنان قد انتهى، لذلك هناك توجه اليوم من قبل المعارضة على اختلاف آرائها بضرورة التوجه إلى لجنة تحقيق دولية من ثم قضاء دولي خصوصا بعد الذي حصل والقرارات التي اتُخذت بعد معاودة القاضي طارق بيطار عمله في هذا الملف، ولا ننسى أن الأجهزة الأمنية تعمل لصالحهم أيضاً كذلك الأمر بالنسبة للضابطة العدلية، وهذا الأمر سيعرقل عمل بيطار في المرحلة المقبلة".
يضيف: " اليوم عملنا كمعارضة يكمن في ضرورة الاتفاق على مرشح واحد للرئاسة وهذا ما نسعى إليه من خلال لقاءاتنا بالإضافة إلى المحافظة على سير التحقيق في قضية المرفأ".
وفي رده على إمكانية مشاركة تكتل "الاعتدال الوطني" وكتلة "اللقاء الديمقراطي" في المعارضة مستقبلاً يقول: " باعتقادي أن الكتلتين أصبحتا اليوم أقرب في الوسط إلى الجهة الأخرى فتكتل الاعتدال من خلال تصاريحه وبياناته واضح أنه بات أقرب إلى الرئيس نجيب ميقاتي وبالتالي إلى الرئيس نبيه بري، أما بالنسبة للقاء الديمقراطي فالجميع يعلم متانة العلاقة بين الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط وبالتالي لا أعتقد أن قرارهما سيكون مختلفا، لذلك أستبعد انضمام أي منهما إلى صفوف المعارضة".
ثمن التسوية المقبلة!
من الواضح أن الحلول الداخلية أصبحت شبه معدومة في ظل الانقسام السياسي والتعطيل الرئاسي والتصدع القضائي والانهيار المالي، والجميع بات ينتظر التسوية الخارجية علها تنتشل البلاد من النفق الذي دخل به.
فاجتماع المعارضة اليوم أعاد بالذاكرة إلى الأذهان اجتماع البريستول الذي نتج عنه معارضة شرسة في وجه محور الممانعة ومن ورائهم النظام السوري فكان الثمن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ..
فأي ثمن ستدفعه المعارضة الجديدة اليوم؟