تشهد الساحة العراقية تظاهرات حاشدة واعتراضات واسعة في مختلف المحافظات بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع وسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، وذلك نتيجة السياسات الاقتصاديّة التي اتّخذتها حكومة محمد شياع السوداني.
فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شهد سعر صرف الدولار مقابل الدينار ارتفاعًا كبيرًا في الأسواق الموازية (السوداء)، أفقد العملة العراقية حتّى الساعة ما يقارب الـ 10% من قيمتها في هذه الأسواق.
قرارات حكوميّة هشّة
وتعزو بعض القوى أسباب هذه الأزمة إلى تراكم الأزمات وعدم العمل على حلّها في العقدين المنصرمين.
ويبدو ممّا يحدث أنّ الشارع العراقي سيتحوّل في القليل القادم من الأيّام إلى منصّة احتجاج مستمرّ بسبب تراكم هذه الأزمات وذلك لأن لا حلول جذريّة بيد هذه الحكومة التي باتت مأزومة اقتصاديًّا. ولا بدّ لهذه التظاهرات من إعادة إحياء الأجواء المعارِضَة للسلطة الحاكمة اليوم في العراق. ويبدو أنّها ستحرّك الشعب العراقي على اختلاف انتماءاته لأنّ الاقتصاد يطال النّاس كلّهم.
ولن ينفع إعفاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه، حيث تمّ تكليف علي محسن العلاق بإدارة البنك المركزي بالوكالة؛ وذلك لانّ الأسباب لا تقتصر على السياسة الاقتصاديّة فحسب بل لأنّ الخيار السياسي لحكومة السوداني بالدّخول في المحور الإيراني وتحويلها بعض المصارف العراقيّة إلى غسّالة للأموال الإيرانيّة الخارجة عن رقابة المجتمع الدّولي حيث تستخدَم هذه الأموال لتمويل أنشطة الأذرع الإيرانيّة في كلّ من لبنان والعراق واليمن وسوريا. وتكمن المخاوف راهنًا من إحكام الخزانة الأميركية ومؤسساتها المالية الرقابة على التحويلات المالية SWIFT الى لبنان وسوريا وغيرها.
ويلفت الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور عبد الرحمن المشهداني في تغريداته إلى الخطأ الذي ارتكبه محافظ البنك المركزي قبل سنتين بعدم تحويل النظام من سويفت إلى إلكتروني؛ حيث يعتبر ذلك من أبرز الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع سعر الصرف. أمّا الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور صفوان قصي فيؤكّد بإحدى تصريحاته أنّ " تقييد الفيدرالي الأميركي لحركة بيع الدولار لا يتناسب مع حجم السوق العراقي. " ويفيد " قصي" في حديث خاص لموقع جسور أنّ "الدينار العراقي حاليًّا تحت الضغط بسبب انخفاض مبيعات نافذة بيع العملة بعد الاجراءات الأخيرة من قبل الفدرالي الأميركي، لتتبّع حركة الأموال المغادرة من العراق ومعرفة من هي الدول التي تقوم بالتجهيز والتحرّي عن الرأسمال المجهِّز وشركائه من أجل تفادي أن يذهب الدولار العراقي إلى الدول المعاقَبَة والدول غير الصديقة للولايات المتحدة الأميركية. "
ويعيد الدكتور قصي نقطة قوة العراق حاليًّا إلى " ارتفاع احتياطات البنك المركزي لأكثر من 110 مليارات دولار، وهذا ما يعطي فرصة للقيّمين على إدارة البنك المركزي والسياسة الماليّة في العراق ليفاوضوا الفدرالي الأميركي بهدف تحويل جزء من هذه الاحتياطات إلى تمويل المشاريع الاستثماريّة خاصّة على مستوى المصارف الفرنسيّة والألمانيّة."
التلويح بالسقوط
وبدت لافتة تغريدات الصحافي العراقي الكردي عماد باجلان التي دعا فيها أحمد خاتمي إلى تعلّم اللغة الكرديّة وإتقانها بطلاقة لأنّه كما قال في تغريدته سيحتاج هذه اللغة الرسمية قريبًا. كذلك في تغريدة أخرى كتب باجلان :" ويبقى الصدر مفتاح الفرج." على ما يبدو أنّ التلويح بسقوط هذه السلطة هو المقصود. وربّما قد تكون عودة الصدر إلى الحياة السياسيّة هي التي ستحكم المرحلة القادمة في العراق. ما يعني ذلك عمليًّا سقوط ذراع إيران في العراق أي الإطار التنسيقي. وهذا ما سيأتي نتيجة للأحداث الدائرة في الداخل الإيراني إذ يرجّح معظم المحلّلين أنّها ستكبر أكثر لأنّها ليست كسابقاتها محصورة في مطالب محدّدة وفي مناطق محدّدة.
مواجهات أكبر من الشعب
وفي حديث آخر لموقع جسور مع سياسيّ مقرّب من الإطار التنسيقي يلفت إلى أنّ ما يحدث في الموضوع النقدي في العراق يندرج في سياق المؤامرة الأميركيّة تجاه الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران للضغط عليها عبر كلّ مَن يناصبها الولاء. وأكّد كلامه مستشهدًا بما يحدث اليوم في الساحة اللبنانيّة أيضًا حيث اعتبر هذا المصدر أنّ ما يصيب اليوم لبنان من تدهور في عملته سينسحب على العملة العراقيّة لأنّ المسبِّبَ واحد برأيه.
ويلفت مصدر آخر مقرّب من التيّار الصدري رفض الكشف عن اسمه أيضًا أنّ الحكومة العراقيّة تحوّلت راهنًا إلى طرف في المواجهة الدوليّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. ولا قدرة للشعب العراقي على الدّخول في هكذا مواجهات قد تؤدّي إذا استمرّت إلى تدمير ما تبقّى من دولة في العراق.
في المحصّلة لا يبدو أنّ الأيّام القادمة ستعزّز استقرارًا بالأساس كان هشًّا. بل على العكس تمامًا كلّ يوم تتزايد مؤشرات سقوط هذه السلطة الحاكمة لأنّ مرجعيّتها في إيران باتت هي أيضًا آيلة للسقوط. ولعلّ هذا ما يعوّل عليه التيّار الصدري. فهل باتت عودة الصدر إلى الحياة السياسيّة حتميّة وملحّة في هذه المرحلة ليعود إلى قيادة المواجهة مع محور إيران؟ أم أنّ ذلك الخروج المدوّي سيستمرّ لتستمرّ هذه السلطة من دون أيّ مواجهة تذكر؟