يستعد الناخبون في تونس للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المبكرة يوم غد بعدما دخلت البلاد مرحلة الصمت الانتخابي، في ظل جمود سياسي خيمّ على المشهد التونسي طيلة الدعاية الانتخابية، في حين بدأت عملية التصويت في الخارج أمس الخميس لتستمر إلى يوم غد السبت.
ويعتبر هذا الاستحقاق أوّل انتخابات تشريعية بعدما أعلن سعيّد حلّ البرلمان في مارس/آذار الماضي، وأحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية فرضها سعيّد كانت في 25 يوليو/تموز 2021 أبرزها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي. وترى قوى تونسية أن هذه الإجراءات "تكريس لحكم فردي مطلق"، بينما تؤكد أخرى أنها "تصحيح لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وتتزامن الانتخابات التشريعية المبكرة مع انقسام سياسي حادّ في البلاد خصوصًا بعدما أعلن اثنا عشر حزبًا مقاطعتهم الانتخابات وعلى رأسهم حزب النهضة الذي يُحمَل الرئيس سعيّد مسؤولية ما آلت اليه البلاد، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي تلقي بثقلها على كاهل التونسيين الذين يعيشون على وقع ارتفاع أسعار المواد الأولية والوقود، لا سيما مع إعلان الدولة رفع الدعم، ما يزيد الطين بلة وينذر بانفجار اجتماعي وشيك.
انتخابات خارجية
ويأتي ذلك في وقت بدأ فيه التونسيون بالخارج يوم الخميس الاقتراع لانتخاب ممثلين لهم في البرلمان في ظل افتقاد أغلب الدوائر الانتخابية لمرشحين. وتميزت أجواء الانتخابات التشريعية في الخارج بغياب كلي للمرشحين في 7 دوائر انتخابية من أصل 10.
وفي السياق، لفت المحلل السياسي التونسي باسل ترجمان في حديث لـ"جسور" الى أن الانتخابات الحالية تعد تجربة جديدة للشعب التونسي لأن القانون الانتخابي الجديد يعتمد النظام الفردي على دورتين بدلا من الانتخاب على أساس القوائم الذي كان معمولا به سابقا، بعيدا من المال السياسي والتلاعب بنتائج الانتخاب، ما يؤسس لدولة ديمقراطية عن أب وجد، خصوصا أن الانتخابات الماضية شهدت تزويرا وتحايلا على القانون، إضافة الى بيع مراكز انتخابية ما أدى الى تفشي الفساد في قطاعات الدولة كافة.
في المقابل، شدد المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم في حديث لـ"جسور" على أنه "للمرة الأولى في تونس، لا يوجد مرشحون في نحو سبع دوائر انتخابية ما يؤكد عدم شرعية القانون الانتخابي الجديد وديكتاتورية الرئيس سعيد، ناهيك عن الغضب الشعبي في البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ذلك أن السلطة الحالية فشلت في وضع الدولة على سكة الخلاص".
انقسام حاد
وتحصل الانتخابات الحالية وسط مقاطعة 12 حزبا وهي: النهضة (53 نائبا بالبرلمان المحلول) وقلب تونس (28 نائبا)، وائتلاف الكرامة (18 نائبا)، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي (22 نائبا)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر (16 نائبا)، وآفاق تونس (نائبان).
وهنا لفت ترجمان الى أن "الأحزاب التي ستقاطع الانتخابات تعيش في انعزال سياسي وبعيدة من الشارع التونسي، وما يؤكد المؤكد مشاركة 400 شخص فقط في الحراك الشعبي الذي دعت اليه الأحزاب المعارضة يوم 10 ديسمير/ كانون الأول بغية اسقاط نظام الرئيس سعيّد، ما يدل على فشل هذه الأحزاب شعبيا وسياسيا".
في المقابل ، أكد سالم أن 12 حزبا يقاطع الانتخابات وليس فقط حزب النهضة، وبالتالي هناك معارضة واسعة من ألوان سياسية مختلفة بغية الوقوف بوجه سياسة الرئيس سعيد الذي يفرض بالقوة القوانين على عامة الشعب".
البرلمان الأوروبي
وعلى صعيد متصل، أعلن البرلمان الأوروبي أنه لن يرسل مراقبين إلى تونس لمراقبة الانتخابات البرلمانية. وأوضح البرلمان في بيان أنه لن يفوض أي عضو من أعضائه لمراقبة العملية الانتخابية أو التعليق على نتائجها نيابة عنه، مبينا أنه "إذا قرر أي عضو المشاركة فسيكون ذلك بمبادرة منه ولا يمكن ربط مشاركته بأي حال بالبرلمان الأوروبي".
وفي هذا الطار، قال ترجمان "كان منتظرا هكذا قرار من البرلمان الأوروبي نظرا لما يمر به من فضائح سياسية ولاسيما المصادقة على منح القطريين الحق بدخول دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة".
القانون الانتخابي
وترشح للانتخابات المقبلة 1058 مرشحا، منهم 936 رجلا و122 امرأة (12 في المئة)، وهو أول تراجع ملحوظ في نسبة النساء. ويتنافس ألف و58 مرشحا على 161 مقعدا بمجلس النواب، في 161 دائرة انتخابية، بينهم 120 امرأة فقط.
وبموجب هذا القانون أيضا سيختار التونسيون مرشحيهم على أساس فردي بدلا من اختيار قائمة حزبية واحدة، وهو ما سيعمل على تقليص دور الأحزاب السياسية في البرلمان.
كما أنه "إذا تقدم إلى الانتخابات مرشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يفوز فيها في الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها". وجاء في القانون أيضا أنه "إذا حصّل أحد المرشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول، فإنّه يصرح بفوزه بالمقعد". ويتم المرور إلى الدور الثاني إذا لم يحصل أي مرشح في الدور الأول على الأغلبية المطلقة (50 بالمئة + 1)، وفي هذه الحال يكون الدور الثاني بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر نسبتين من الأصوات من الدور الأوّل، شرط إجراء الدور الثاني في أجل لا يتجاوز أسبوعين من تاريخ الإعلان عن النتائج.