كتب هشام مهران في جسور:
تطورات متلاحقة تشهدها منطقة شرق البحر المتوسط الغنية والواعدة باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي. إذ أعلنت وزارة الخارجية التابعة لحكومة "الوحدة الوطنية" المنتهية ولايتها في ليبيا يوم الجمعة رفضها لقرار مصر بترسيم حدودها البحرية الغربية في البحر المتوسط من جانب واحد ووصفته بأنه "ترسيم غير عادل بموجب القانون الدولي نظرا لإعلانه من جانب واحد.
ودعت الحكومة المصريّة إلى "إعادة النظر في بدء محادثات حول الحدود البحرية من أجل تأكيد حسن النية" وفق البيان الليبي.
نفس الموقف تبناه رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا في بيان الأربعاء داعيًا مصر وتركيا واليونان إلى «عدم إتخاذ أية خطوات أحادية فيما يخص تحديد وترسيم الحدود البحرية»، ما من شأنه «زيادة التوتر وتأزيم المواقف أكثر وتفاقم الوضع في منطقة البحر المتوسط»، فيما لم يصدر أي تعليق من جانب تركيا حتى الآن.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصدر الأحد الماضي قرارًا بترسيم الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط من جانب واحد.
ونص القرار على أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم (١) ولمسافة (١٢) ميلاً بحريًا وصولًا إلى النقطة رقم (٨) ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لمصر من النقطة رقم (٨) في اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال (٢٥) شرقا وصولًا إلى النقطة رقم (٩).
ونصّت المادة الثانية على أن تعلن قوائم الإحداثيات وفقًا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد ويخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة.
القرار المصري الذي مثل مفاجأة للمراقبين جاء بعد نحو شهرين ونصف علي توقيع وزارتي الخارجية الليبية والتركية اتفاقية في طرابلس للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية في البحر المتوسط في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في خطوة رفضتها كل من مصر واليونان.
في ظل عدم اعتراف الدولتين بشرعية حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة باعتبار انتهاء ولايتها القانونية منذ ٢٤ ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي وبالتالي "لا يحق لها التوقيع على اتفاقات دولية" وفق تصريحات سابقة لوزير الخارجية المصري سامح شكري
ووفق خبراء الطاقة فإن قرار مصر بترسيم حدودها البحرية الغربية في البحر المتوسط في اتجاه ليبيا سيجعل القاهرة قادرة على طرح هذه المناطق أمام شركات الطاقة العالمية باعتبارها مناطق خاضعة للسيادة المصرية خاصة وأن بعض الشركات كانت ترفض التنقيب على أساس أن الحدود غير معروفة أو ربما تشهد نزاعات في المستقبل.
أما من الناحية القانونية فيقول السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري السابق في حديث ل "جسور" إن القرار المصري يثير تساؤلات وربما يؤدي لإثارة حساسيات لدى قطاعات واسعة من الشعب الليبي في الشرق والغرب على السواء خاصة في ظل ظروف الانقسام السياسي في ليبيا حاليًا وفي ظل عدم اعتراف مصر بحكومة طرابلس وربما يعطي الانطباع أن القاهرة تفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة خاصة وأن حكومة الدبيبة هي الحكومة المعترف بها دوليًا حتى الآن وتمثل ليبيا بالفعل.
وردًا على سؤال حول لجوء القاهرة لخيار الترسيم الأحادي أو تعطيل مصالحها في شرق المتوسط لسنوات مقبلة انتظارا لحل أزمة الانقسام السياسي في ليبيا، قال مساعد وزير الخارجية السابق أن مسألة تعيين الحدود بين الدول بشكل عام مسألة حساسة تتعلق بالسيادة ما يستدعي من الناحية القانونية إجراء مفاوضات ثنائية قد تستغرق سنوات وأن نية القاهرة إبلاغ الأمم المتحدة بقرار ترسيم الحدود البحرية الغربية مع ليبيا لا يعطي القرار المصري قوة قانونية فالإبلاغ القانوني يجب أن يكون بموافقة دولتي الحدود المشتركة وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون أعالي البحار الصادرة عام ١٩٨٢، مشيرًا إلى أن تركيا عندما أدركت استحالة ترسيم حدود بحرية لها مع ليبيا قامت بالإلتفاف عبر إبرام إتفاقية تنقيب عن الغاز والبترول في الأراضي والمياه الليبية.
وحول احتمالية ارتباط القرار المصري بتحركات تركيا في منطقة شرق المتوسط أوضح السفير رخا أحمد حسن "أن منطقة المياة الليبية المتاخمة للحدود المصرية في المتوسط تخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وبالتالي لاتستطيع تركيا القيام بأي عمليات تنقيب هناك وهي المنطقة الأكثر أهمية بالنسبة لاكتشافات الغاز.
ويعد ملف غاز شرق المتوسط أحد أبرز ملفات الخلاف بين مصر وتركيا التي تنفذ عمليات تنقيب في المنطقة المحيطة بقبرص والقريبة من اليونان تحت ذريعة حماية "مصالح القبارصة الأتراك" في ظل خلاف يتركز بشكل أساسي على الحدود البحرية بين شطري جزيرة قبرص المقسمة بين اليونان وتركيا حيث وقعت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٩ إتفاقًا مع حكومة الوفاق الليبية - المعترف بها دوليا والمنتهية ولايتها- يؤسس لمنطقة اقتصادية تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا متجاهلة وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة وهو اتفاق تصفه القاهرة بغير القانوني وترفضه اليونان.
ولقطع الطريق على خطط أنقرة قامت مصر واليونان بتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما في أغسطس/آب ٢٠٢٠ ما قطع الطريق على الآمال التركية في غاز شرق المتوسط.
كما أنشأت مصر في يناير/كانون الثاني ٢٠١٩ منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط والذي يستنثي تركيا من عضويته ويضم وزراء الطاقة في دول مصر وفلسطين والأردن وقبرص واليونان وإيطاليا ومقرّه القاهرة.
وقبل يومين أعلن المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري أن كشفا جديدًا للغاز الطبيعي بالبحر المتوسط هو الآن في مرحلة التقييم للتأكد من حجم احتياطياته مشيرًا أن الحقل الجديد "نرجس" يعد الأكثر أهمية بعد حقل "ظهر" العملاق الذي حقق الاكتفاء الذاتي لمصر من الغاز الطبيعي بل ومكّنها من تصدير فوائض سجلت نحو ٨ ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال في ٢٠٢٢ إتجهت ٩٠% منها لأسواق الاتحاد الأوروبي وفق تصريحات وزير البترول المصري.
وتقدر احتياطيات الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط بنحو ٣٤٥٥ مليار متر مكعب و١.٧ مليار برميل من النفط قيمتها نحو ٣ تريليونات دولار وفق تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام ٢٠١٠.