شكّلت قمة بغداد في نسختها الأولى عام 2021 تحديًا كبيرًا لحكومة مصطفى الكاظمي التى نجحت حينها في تنظيم حدث سياسي دولي ضخم لم يشهد العراق له مثيلاً منذ ما يقارب الأربعين عاما. وبعد ما يزيد عن السنة، تتطلع البلاد إلى نسخة ثانية من القمة على أن تنعقد في العاصمة الأردنية عمان الثلاثاء في العشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ووفق مصادر ديبلوماسية غربية مشاركة في القمة، هناك مخاوف من خسارة الإنجازات النوعية التي تحققت في العراق خلال حكومة الرئيس السابق مصطفى الكاظمي، اذ استطاع خلال فترة وجيزة نقل بلده بإتجاه الحداثة والحوكمة ومكافحة الفساد، وتحويله إلى ملتقى إقليمي للحوار لا سيما وأنه نجح في فتح حوار مباشر بين ايران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، الأمر الذي وضع العراق على خط التعافي السياسي والاقتصادي.
وتضيف المصادر أن مستقبل هذه الانجازات مهدد في ظل الحكومة الحالية الموالية لإيران والتي يبدو وكأنها تمارس سياسة انتقامية تجاه الانجازات السابقة، ما يسقط عن العراق موقع الحوار والتلاقي في المنطقة.
وتأتي قمة بغداد 2 على وقع اعتداءات وخروقات إيرانية وتركية انتهكت سيادة العراق مرات عدة، وأيضًا بعد تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
تولت عمان إرسال الدعوات، لكن تنظيم القمة من توقيع فرنسي-عراقي ويشارك فيها جديدان هما البحرين وعُمان إلى جانب مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر إضافة إلى إيران وتركيا ويغيب عنها للسنة الثانية على التوالي لبنان وسوريا.
حول التوقيت والمكان
عدم انتظار العام الجديد لعقد قمة ثانية يعود "لكونها في المبدأ تأخرت عن موعدها" كما أوضح المحلل السياسي العراقي الدكتور الناصر دريد في اتصال مع "جسور" مضيفًا "كانت هناك رغبة في عقدها قبل فترة لكن ظروف العراق حالت دون ذلك ما أدى إلى تأجيلها مرات عدة إذ كان من الصعب الدعوة إلى قمة قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة".
أما عن أسباب اختيار الأردن تحديدًا فيشرح دريد "عمان مرشحة أكثر من غيرها لعقد هذا المؤتمر باعتبار أن المملكة تملك علاقات مع مختلف القوى ولا خطوط حمر عليها من أحد" ويضيف "لقد أوضحت عمّان سابقًا أنها لا تعادي المحور الإيراني كما أن علاقاتها مع نظام الأسد في سوريا لم تنقطع وإن كانت تسير بحذر، ومن جهة ثانية، المحور السعودي والخليجي لا يرفض التواجد في الأردن".
الأبعاد الحقيقة
خلافًا للأسباب المعلنة، عنصر أساسي يدخل كمحرك رئيسي في الدعوة إلى قمة بغداد الثانية هذه السنة، يشرح دريد "يوجد رغبة أميركية في تسيير الأمور عراقيًا كي لا يتعطل تدفق النفط في هذه المرحلة بعد الأزمة التي تسببت بها الحرب الأوكرانية-الروسية".
ولأجل تأمين استمرارية تدفق النفط، تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى اعتماد "سياسة التهدئة بين جميع الأطراف لأن المرحلة تحتم ذلك" وفقًا لدريد الذي تابع قائلاً "من جهة لم تضع الولايات المتحدة أي عراقيل أمام حكومة السوداني كما رفضت التصعيد ضد تركيا وإيران بسبب إقليم كردستان العراق رغم إصرارها على عدم التضحية به".
ولفت دريد إلى أن "الحضور الإيراني أخذ ضوءاً أخضر من الولايات المتحدة الأميركية".
عقدة إقليم كردستان
وتبقى العقدة الأساسية وفقًا لدريد حول كيفية حلّ مشكلة ادعاءات تركيا وإيران في قضايا خرق أمنهم للداخل العراقي "هذه المشكلة معقدة لأن الادعاءات ليس صادقة بل تتستر خلف قضية الخرق الأمني في الدولتين لأهداف سياسية تتعلق بإقليم كردستان العراق تحديدًا".
ويعتبر دريد أن "الأميركيين لا يمكنهم التخلي عن كردستان العراق وتقديمه إلى تركيا وإيران من جهة كما أنهم لا يرغبون بالتصعيد ضد تركيا وإيران بسببه من جهة ثانية" ورجح بالتالي اللجوء "إلى نوع من التسوية ترضي كل الأطراف".
في المقابل، لم يجزم المحلل السياسي مستوى التمثيل الإيراني في القمة لكنه أكد أن “حدة الصدام والخلاف ما بين الأردن وإيران خفتت قليلاً وأي حضور إيراني سيُعد خطوة كبيرة حتى وإن كان على مستوى وزراء خارجية كما سيشكل انعطافة أكيدة بالنسبة لموقف الأردن الآن".
سياسة اقتصادية
نافذة جديدة للقمة تحت عنوان اقتصادي فتحها المحلل السياسي العراقي نجم القصاب في اتصال مع "جسور" وشرح قائلاً "هذه القمم والمؤتمرات من شأنها رسم سياسة اقتصادية جديدة كما أن عقد مثل هذا المؤتمر في الأردن دليل أولاً على دعم حكومة الأردن والملك عبدالله وثانيًا والأهم تنويع اتفاقيات الإستيراد".
وكشف القصاب عن رغبة رئيس الحكومة الجديدة السوداني "يطمح إلى تنويع الواردات والعلاقات الدولية عبر عقد اتفاقيات مع دول المنطقة خصوصًا الأردن ومصر ودول الخليج كي لا يحتسب العراق على المحور الشرقي الإيراني فقط وإنما أيضًا العربي إضافةً إلى الغربي".
ولفت إلى أن "العراق يمتلك الأموال لكنه لا يمتلك البيئة التي تستقطب الشركات بسبب انتشار السلاح والفساد ما دفع بالحكومة الحالية إلى الإنفتاح على الدول التي كانت قبل سقوط النظام القوة الاقتصادية لها من خلال ما اعتاد العراق استيراده منها".
وأشار القصاب أيضًا "بالتأكيد، نحن اليوم نواجه معارك اقتصادية وليس معارك عسكرية كما كان الوضع في العقود السابقة".
تجدر الإشارة إلى أن قمة بغداد الثانية تقعد بعد أحداث أليمة عصفت بالأردن، ومن غير المعروف إن كانت ستلقي بظلالها عليها.