عام 1974، أعلنت الجمعية الأميركية لعلم النفس أن المثلية الجنسية ليست مرضًا نفسيًا وحذفت منظمة الصحة العالمية عام 1990 مصطلح "مرض" من سجلاتها، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى منع أي محاولة طبية لعلاج المثلية الجنسية تحت طائلة الملاحقة القانونية، هذا دوليا.
أما في وطننا العربي، فلا يخفى على أحد أن المثلية الجنسية لا تزال تعتبر "تابو" والى يومنا هذا تظن الغالبية ان المثلي مريض نفسي.
ولكن في أكثر من بلد عربي، خرج المثليون من الظل ليعلنوا عن نشاطاتهم بكل فخر وحرية بغية كسر الهالة المحرّمة المحيطة بالموضوع، ما يوحي لوهلة أن "ظاهرة" المثليين في العالم العربي باتت أكثر قبولاً وعلانيةً في الأوساط الاجتماعية.
وفي تونس، تقوم جمعيات مدافعة عن حقوق المثليين بمساع حثيثة لضمان حقوقهم ورفض تهميشهم داخل المجتمع. وعلى الرغم من بدء ظهور المثليين في العلن بعد ثورة 2011، إلا أن تحركاتهم تصطدم برفض جزء كبير من المجتمع لهم وبقانون تجريم العلاقات الجنسية المثلية، اذ كشف تقرير لجمعية "شمس"، المدافعة عن حقوق المثليين في تونس، عن ارتفاع في أحكام الإدانة بتهمة المثلية خلال السنوات الماضية.
تجريم المثلية
وعلى الرغم من أن الدستور التونسي يضمن بصريح العبارة الحياة الخاصة للمواطنين بما في ذلك حياتهم الجنسية، إلّا أنّ الفصل 230 من القانون الجزائي التونسي يجرّم المثلية الجنسية ويعاقب عليها بثلاث سنوات سجن ويحظر تأسيس جمعيات تدافع عن الممارسات المثلية ويمنع أنشطتها.
"قضية المثلية أو ما أسميه شخصيا بمزدوجي الجنس بيولوجيا وثقافيا، لاتزال تندرج تحت خانة التابو، أو المحرمات" تقول الباحثة الجامعية التونسية في علم الاجتماع رحمة بن سليمان، مشيرة في حديث لـ"جسور" الى أنه على الرغم من التطور النسبي في الوعي الجمعي الخاص بفئة معينة، والسماح بتأسيس بعض الجمعيات التي تدافع عن حقوق المثليين، إلا أن الأمر لا يتعلق بتأصيل قانوني أو حركة احتجاجية، اذ إن التنشئة الاجتماعية والثقافة المجتمعية لا تزالان تجرّمان المثلية لأسباب دينية وأخلاقية، لذلك فإن القانون يتماهى مع الوعي العام لشراء السلم الاجتماعي".
وتابعت بن سليمان: "الرفض المجتمعي للمثلية الجنسية يخلق نوعا من استراتيجيات المقاومة، فيحصل الاصطدام مع السلطات في تونس التي وضعت قانونا يجرم مثل هذه الممارسات.
ويمكن أن يعود هذا الصراع الى كيفية وضع القوانين التي يمكن ان نعتبرها فوقية ولا تستجيب لإرادة الافراد، اذ كان من المفترض القيام بدراسة ميدانية حيال تصور افراد المجتمع وعلى ضوء النتائج يتم وضع قانون إما بالسماح لكل فرد بإختيار جنسه أو بتجريم ذلك على اعتبار ان في الحالتين يكون القانون وفق إرادة الافراد."
وسبق لهيومن رايتس ووتش أن أطلقت موقفها حين قالت إنه على الحكومة اتخاذ الخطوات الكفيلة بإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية وإصدار توجيهات فورية للكف عن استخدام الفحوص الشرجية ضمن إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة للتأكد من السلوك الجنسي للأفراد، فيما شددت جمعيات المثليين على ضرورة إلغاء هذا الفصل من القانون في أسرع وقت ممكن.
وقفة احتجاجية
وعلى صعيد متصل، نفذ نحو ثلاثين ناشطا حقوقيا وقفة أمام محكمة في محافظة القيروان وسط تونس تزامنا مع جلسة استئناف في قضية يتهم فيها ستة شبان بالمثلية الجنسية.
وتعتقد بن سليمان أن "قضية المثلية تُطرح ضمن نطاق ضيّق وتتخذ أسلوب الدفاع وليس المشاركة أو المساهمة في قضايا المجتمع. وبقراءة للتحركات الاحتجاجية، نلاحظ أن المحتجين يدافعون عن حقهم في الوجود كخطوة أولى.
إذ إن الفرد لا يولد ذكرا او انثى بل المجتمع هو من يجعله كذلك من خلال عملية التنشئة الإجتماعية بعيدا من التصنيف البيولوجي لجنس المولود، وهذا كفيل بأن يطرح مدى قبول المجتمعات المحافظة لهذه المقاربة التي تثير اشكالات عدة متعلقة بمسألة المثلية الجنسية، ويعتبر المجتمع التونسي من بين المجتمعات التي تقاوم مثل هذه السلوكيات القريبة من تمثلات بعض الأفراد الذين يرون أنفسهم في جنس مغاير لما اختاره لهم المجتمع".
واستطردت موضحة "تكمن المشكلة في نظر المجتمع وفق منظومة نمطية وما يختاره الافراد بشكل فردي وفقا للحريات الشخصية، ما يؤدي الى غضب شعبي يتجسد باحتجاجات ساعية الى اسقاط القوانين الاجتماعية القامعة للحريات."
قضية الشبان الستة
وتعود قضية اتهام ستة شبان بالمثلية الجنسية إلى عام 2015 حين صدر بحقهم حكم أولي بالسجن ثلاث سنوات وعدم الإقامة في المحافظة لثلاث سنوات أخرى. وفي مارس/آذار 2016 تم استئناف الحكم وتخفيفه إلى عقوبة السجن أربعين يوما. وبعد عامين قضت محكمة النقض بعودة الملف للاستئناف من جديد.
وعقدت أول جلسة للاستئناف مجددا، بالتزامن مع وقفة احتجاجية شارك فيها ممثلون لجمعيات تنشط في الدفاع عن حقوق الانسان في تونس على غرار "منظمة "دمج" و"الرابطة التونسية لدفاع عن حقوق الانسان".
ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها "يسقط يسقط فصل العار" و"العدالة ليست عادلة" و"ثورة كويرية ضد السلطة الذكورية". والمتهمون الستة غادروا البلاد وبقي منهم "دانيال" (لم يكشف عن اسمه الحقيقي) الذي مثل أمام القاضي وقال "الجلسة كانت جيدة وتمكنت من الحديث مع رئيس المحكمة بكل أريحية".