يواجه العراق تحديًا مناخيًا طارئًا ينبغي عليه مواجهته عبر التوجّه نحو نموذج تنمية "أكثر اخضرارًا ومراعاة للبيئة"، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون، كما اعتبر البنك الدولي في تقرير جديد حول العراق.
وفيما تتفاقم تأثيرات التغيّر المناخي في البلاد، كشف وزير النفط في البلاد، حيان عبد الغني، أن العراق يسعى لمنع حرق الغاز الطبيعي المصاحب بشكل نهائي، خلال 4 سنوات، في وقت ما تزال بلاد الرافدين تحرق بعض الغاز المستخرج إلى جانب النفط الخام، بسبب عدم توفر المنشآت اللازمة لمعالجته وتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي أو للتصدير.
إجراءات طارئة
ويعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر عرضةً لعواقب التغير المناخي، وفق الأمم المتحدة، كما أثّرت عقود من النزاعات على البنى التحتية للبلاد واقتصادها المعتمد إلى درجة كبيرة على النفط الذي يمثّل نسبة 90% من الإيرادات.
ومن بين الإجراءات "الطارئة" والفوّرية التي ينبغي على العراق القيام بها، وفق ما أفاد به الخبير البيئي العراقي، أحمد صالح نعمة، لـ "جسور"، وضع حدّ للنقص في الكهرباء لا سيما عبر انهاء "حرق الغاز" المصاحب لإنتاج النفط واستخدامه في إنتاج الكهرباء، وكذلك عبر "تحديث نظام الري" و"إعادة تأهيل السدود".
أما على المدى المتوسط والبعيد، "فيجب الحدّ من اعتماد قطاعات الصناعة والزراعة وقطاع النفايات، على الكربون، فضلا عن "تحسين توزيع المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي" وكذلك "زيادة الاعتماد على الزراعة الذكية" بمواجهة التغير المناخي.
وبحسب نعمة، "يواجه العراق تحديًا يتمثل في الابتعاد من الاعتماد الكلي على النفط والتحول نحو اقتصادٍ أكثر تنوعًا يقوده القطاع الخاص ويتمتع بالقدرة على خلق فرص العمل وبناء رأس المال البشري، جنبًا إلى جنب مع بناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ".
وبحلول العام 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحًا فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل"، وفق التقرير، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنويًا.
توصيات البنك الدولي
وكان البنك الدولي قد قدّم التقرير للسلطات العراقية، وهو يعطي "أساسًا تحليليًا لمعالجة الاحتياجات الإنمائية الأكثر إلحاحًا في البلاد، ومواجهة التحديات المناخية في وقت واحد"، كما يشير إلى تأثر البلاد بالتغيير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الموارد المائية التي تعتمد عليها البلاد ليس لأغراض الشرب فقط، وإنما في الجانب الاقتصادي والزراعي والأمن الغذائي".
فضلاً عن ذلك، يبحث التقرير "في تكلفة تحول البلاد نحو اقتصادٍ أقل اعتمادًا على الكربون، ويناقش الفرص والإصلاحات الرامية إلى اتباع نموذجٍ نمو أكثر اخضرارًا ومراعاة للبيئة".
وقال نائب مدير البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، إن "العراق يواجه ثلاثة تحديات أساسية: تحدي المياه وتحدي التصحر وتحدي تلوث الهواء".
وأضاف بلحاج "نحاول أن نقترح على السلطات إصلاحات وسياسات"، مضيفًا أن العراق "يملك ما يكفي من الموارد ليتمكن من إدارة هذه التحديات" إلا أن "المسألة تتعلق بكيفية ضمان أن يتم وضع تلك الموارد المالية بخدمة سياسات جديدة لإدارة التحديات المناخية".
ويقول التقرير إنّ "الحلول تتضمن الاستفادة من الغاز في إنتاج الكهرباء، وخلق فرص عمل، فضلا عن استعمال الطاقة المتجددة والنظيفة"، لافتا إلى "وجود فرص كبيرة في العراق لتنمية هذا القطاع والذي سيؤدي لانخفاض الانبعاثات وخلق نمو قطاع غير نفطي ومهم لاقتصاد العراق".
ويقدّم التقرير مجموعة توصيات وإصلاحات يمكن للعراق أن يقوم بها على المدى المتوسط (خلال خمس إلى عشر سنوات) وأخرى على المدى البعيد، لا تؤتي مفعولاً إلا لما بعد العام 2030.
نحو الطاقة المتجدّدة
ويسير العالم بشكل حثيث نحو هجر المنتجات النفطية الثقيلة، والتحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة، بغية التقليل من انبعاثات الكربون للوصول لمستويات تحد من ظاهرة التسارع في عملية الاحتباس الحراري على المدى الطويل.
ويمتلك العراق من الامكانات ما يمكنه التحول التدريجي نحو الطاقة الخضراء، إذا ما شرع بحلحلة أزماته المتراكمة عبر استحصال الحقوق المائية من دول المنبع، وصولا لاعادة هيكلة مؤسسات الدولة المنتجة وتعظيم الاستثمارات منخفضة الكربون.