في ظل تراجع دور الدولة اللبنانية وشبه غياب لهيبتها مع أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ البلاد، بدأ الحديث عن عودة الأمن الذاتي إلى مناطق لبنانية عديدة.
ومع بروز جماعة "جنود الرب" المتّهمة بتعزيز فكرة الأمن الذاتي في الأشرفية – بيروت، وهي منطقة ذات غالبية مسيحية، اعتبر محللون أن هناك رسائل سياسية واضحة موجهة إلى حزب الله، لكنها قد تكون بمثابة النفخ بأبواق الفتنة في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان.
أمن ذاتي
إلّا أن رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، أكد في حديث لـ"جسور"، أن "الأمن الذاتي الوحيد في لبنان هو الذي يقيمه حزب الله والذي يخطف الدولة اللبنانية، ويمنعها من أن تكون فعلية وتحتكر وحدة سلاحه، وبالتالي لا يوجد أي أمن ذاتي سوى في مناطق سيطرة حزب الله الذي يهيمن أيضًا على قرار الدولة الاستراتيجي".
وتابع: "كل كلام عن أمن ذاتي خارج هذا السياق لا أساس له، والهدف منه هو محاولة تبرئة حزب الله وحرف الأنظار عما يقوم به".
ولفت أيضًا إلى أن "مشروع حزب القوات اللبنانية هو الدولة والإستقرار والإزدهار والإنسان الذي يعيش مؤمّنًا أمنه وأمانه في هذا البلد، بينما حزب الله والمحور الذي يتبع له يعمل من أجل مشاريع تتعارض مع مفهوم الدولة الفعلية، وذلك واضح من خلال سلاحه وتحالفاته التي تغطي مشروعه".
كما دعا جبور ليكون الجميع تحت سقف الدولة والقانون، ولعدم التعدي على أي مواطن والالتزام بالدستور".
أماكن فارغة
لكن على المقلب الآخر، رأى الصحافي اللبناني المقرّب من حزب الله، عبدالله قمح، في حديث لـ"جسور"، أن "اتهام القوات اللبنانية لحزب الله بإقامة أمن ذاتي هو سخيف"، لافتًا إلى أنه "ما قبل العام 2014، حين بدأت التفجيرات تحدث في الضاحية الجنوبية، كان هناك اتهام دائم ومستمر بأن الدولة اللبنانية ممنوعة من الدخول بأجهزتها إليها، لكن بعد ذلك، دخل الجيش اللبناني ونصب قواعد ثابتة على المداخل وفي العمق، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، للأجهزة الأمنية حضور دائم في المنطقة، وتحصل دوريات ومداهمات بشكل يومي فيها، وهذا يؤكد أن حزب الله لا يفرض أمنًا ذاتيا في الضاحية الجنوبية".
وتابع: "أما في الجنوب اللبناني، فتقارير قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى، تؤكد أن حزب الله لا يظهر مسلحًا في أي منطقة في المناطق، ويقتصر انتشاره على وجود عناصره الحزبيين كما يحصل في أي منطقة أخرى. لكن هذه العناصر لا تكون موجودة في الأحياء ليلا، ولا تنظم حماية على حساب الدولة لا في الجنوب ولا في الضاحية. لكن هناك أماكن تكون فارغة أحيانًا، وتحصل فيها جرائم واعتداءات كمنطقة صحراء الشويفات، ما استدعى بعض الشباب أن يقيموا مبادرة بمراقبة المنطقة، والتدخل فقط إن وقعت أي مصيبة بالتنسيق مع الجيش".
وأضاف: "أما نظرية الأمن الذاتي كما يقدمها حزب القوات اللبنانية، على أنها حالة قائمة في الضاحية الجنوبية وتأتي بديلة عن الدولة اللبنانية، فهي غير صحيحة، ومن لديه دليل يثبت غير ذلك ليقدمه.
اتهام القوات للحزب بإقامة أمن ذاتي هو سياسي واستثماري واستغلالي، لأن جميع الأحزاب تمارس نوعًا من الحماية الأهلية الداخلية نظرًا إلى وجودها في مجموعة من المناطق، وهذا الأمر موجود في لبنان حتى قبل وجود الاحزاب، ونحن اليوم أمام حالة خاصة في البلد تستوجب تظافر الجهود لحماية المناطق".
فكر متطرف
أما عن جماعة "جنود الرب"، فقال قمح: "الخطير فيها أنها تتبنى فكرًا دينيًّا متطرفًا إلى حد ما، وهذا ما ظهر خلال مسيرات نفذها شبان يتبعون لها في الشوارع حملوا فيها الصلبان بشكل ظاهر، واندفعوا باتجاه تراتيل دينية مستمدة من أيام الحقبة الصليبية. صحيح أن حرية الأديان متوفرة في لبنان، لكن استغلال الشعارات الدينية بشكل وقح وظاهر وينم عن استعطاف، يندرج تحت ختمة مشبوهة. فـ"جنود الرب" هي جماعة ممولة من رجل الأعمال أنطون الصحناوي، وهو يسعى إلى تكوين جماعات له في عدد من المناطق. وأعضاء هذه الجماعة عليهم شبهات أمنية وجنائية بغالبيتهم، ومنهم من أصحاب السوابق أو ملفاتهم غير نظيفة جدًّا، كما أن معظمهم من عناصر أو مؤيدي حزب القوات اللبنانية، وبالتالي يدل ذلك أن "القوات" تعمل على تغطية نشاط أمني ما تحت ذريعة الأمن الذاتي تحت إسم "جنود الرب" حتى لا يتوجه لها الاتهام".
وأشار إلى أن "جنود الرب هم كما "داعش"، يشكلون حالة غير صحية في المجتمع قد تأخذ البلاد إلى أماكن أخرى، وذلك في وقت نريد فيه تحقيق التقارب بين أركان المجتمع بمختلف طوائفها".
ورأى قمح أن "لبنان اليوم أمام "عسكرة المجتمع المسيحي"، وذلك يبدو واضحًا من خلال "سيناريو جنود الرب" وغيره، فمثلاً لدى "التيار الوطني الحر" الحرس القديم والمغاوير، ولدى حزب "القوات اللبنانية" تنظيم عسكري متكامل، ونرى لدى حزب "الكتائب اللبنانية" نموذجًا من العسكرة في احتفالاته، كما النائب نديم الجميل لديه شركة أمن تتكفل بالأمن الذاتي في المناطق المسيحية، وحراس الأرز يعقدون اجتماعات ولقاءات، وحزب الوطنيين الأحرار يعيد هيكلة نفسه بالمتوفر لديه لكن بنفس النموذج السابق".
"عسكرة" المجتمع
وسأل، "لكن لمصلحة من عسكرة هذا المجتمع؟"، مضيفًا، "أن عسكرة المجتمع المسيحي ستقابلها عسكرة مجتمعات أخرى، وإذا كان حزب القوات اللبنانية يتخذ في ذلك من حزب الله مبررًا، فهذا أمر مبالغ فيه لأن حزب الله موجود منذ عام 1982، ولم يمارس سلطة بديلة لسلطة الدولة على الأرض بالأخص في هذه المرحلة.
لكن هناك من الشباب المسيحي الواعي من يدرك خطر هذه الجماعات، ومن المتوقع أن يكون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حذرا جدًا من هذه النماذج".
يذكر أن "جنود الرب" هم مجموعة شبان ظهروا في الساحة المسيحية، وينطقون بكلام الإنجيل المقدس ويعتمدون لباسًا موحدًا. وخرجوا بتحرّكات منظمة في شوارع بيروت رفضاً لتحركات المثليين في البلاد.
وخلال الأيام الماضية، عادوا إلى الواجهة بعد خلاف وقع في ساحة ساسين في الأشرفية بين مجموعة شبان من المنطقة وآخرين وصلوا على دراجات نارية ورفعوا أعلام المغرب وفلسطين وسوريا احتفالاً بفوز منتخب المغرب وتأهله إلى الدور نصف النهائي من كأس العالم.