لم يمرّ عيد الميلاد على خير في قرية بريح اللبنانية قضاء الشوف، إذ استفاق الأهالي على رسوم لـ"جماجم حمراء" وضعها مجهولون على منازل عائدة لمسيحيين في البلدة.
وتناقل ناشطون صور الرسوم على مواقع التواصل الإجتماعي، الأمر الذي أحدث بلبلة كبيرة وأثار موجة استياء شعبية عارمة، مع تهافت الأحزاب والقوى السياسية على إطلاق تصاريح وإصدار بيانات تدعو إلى كشف الفاعلين ومحاسبتهم بأسرع وقت ممكن، خوفا من إستثمار الحادثة طائفيًّا.
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع في بريح، أن "أصحاب المنازل المسيحيين علموا بالحادثة يوم الثلاثاء، لأنهم لم يكونوا في المنطقة حين حصلت، ولم يكن أحد من المسيحيين في البلدة، والرسوم رُسمت قبل يومين أو ثلاثة من علمهم بالأمر... ربما ليلة عيد الميلاد".
وقال في حديث لـ"جسور"، "فتحت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تحقيقًا، وأصحاب المنازل تقدموا بشكوى في هذا الإطار أمام مخفر بلدة عين زحلتا الشوفية لمتابعة الموضوع".
ولفت المصدر إلى أن "ما حصل ليس عملية "صبيانية" كما يحاول البعض الإيحاء، لكنها أيضًا ليست أزمة كبرى لا يمكن معالجتها، إلّا أن الإضاءة على ما حصل ومحاسبة الفاعلين ضرورية، منعا لتكرار الأمر لأن وضع القرية حسّاس جدًّا، فأهلها عاشوا حربًا بشعة، وأي خطأ قد يحصل بإمكانه أن يوتّر الجو العام".
وأضاف: "المس بالسلم الأهلي والعيش المشترك ممنوع، ولن نسمح لأحد بإفساد الهدوء العام الذي تعيشه البلدة، ونحن ننتظر نتائج التحقيقات".
مسيحيون ودروز
ويتوزع أبناء هذه البلدة بين مسيحيين ودروز.
وفي محاولة احتواء ما حصل، سارعت بلدية بريح إلى إصدار بيان قالت فيه إنه "منذ العام 2014، تاريخ العودة والمصالحة الوطنية، والبلدة تنعم بالاستقرار والعيش المشترك والواحد بين جميع أبنائها"، مضيفة، "إلا أن ما حصل ليلة عيد الميلاد من رسومات شيطانية على أبواب وجدران أربعة منازل مسيحية هو أمر مستهجن، وقد استنكرته جميع عائلات وأهالي بريح والاحزاب".
وتابعت: "نؤكد ان هذا الموضوع هو قيد المتابعة الحثيثة مع القوى الأمنية من أجل تبيان الحقيقة، ان كان عملاً فرديًا أو بهدف إثارة الفتن ومحاسبة الفاعل أيا كان ولأي جهة انتمى".
أما مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي في بريح وجوارها، سهيل أبو صالح، فقد رأى، أن الحادث "أعاد تثبت نموذج العيش المشترك في هذه البلدة، بدليل أن الأهالي وضعوا الحادث خلفهم".
وأشار في حديث صحافي إلى أن الأهالي "واثقون بأن من يقف وراء هذه الرسوم يحاول النيل من أبناء بريح المسيحيين والموحدين الدروز، الذين لم ولن يتأثروا بما حصل، لكنهم يطالبون بأن تأخذ العدالة مجراها وتقتص من الفاعل أيًا يكن".
وقال "الأجواء في البلدة كانت وما تزال هادئة والكل يعيش فرحة الميلاد المجيد ورأس السنة باحتفالات وأجواء كانت وما تزال توحد تجمع أهالي بريح في السراء والضراء".
استقرار وطمأنينة
من جهته، لفت نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان في بيان إلى أن "ما حصل في بلدة بريح لا يعكس واقع الحال في البلدة التي يعمّ فيها التآخي والتفاعل، والدليل الاحتفالات التي تزامنت مع الميلاد، قبله وبعده"، معتبرًا أن ذلك لا يعكس المناخ العام السائد في الجبل، حيث يسود الأمن والاستقرار والطمأنينة، إذ برغم الضغوط المعيشية والاقتصادية القاسية، لقد تشكّلت فرصةً إضافيّةً للمزيد من الوحدة في الجبل لا التفرقة، وبالتالي ما حصل لا يمتّ إلى بريح ولا إلى منطقة الجبل بصلة".
وشدد على أن "هذه الحادثة أتت من خارج السياق العام وهي مفتعلة من مغرضين لن يتمكّنوا من تعكير صفو هناء الحياة في بريح والجبل، فضلاً عن أنّ هذه الأعمال ليست مرفوضة في الجبل وحسب بل في لبنان كلّه".
وأكد عدوان أنّ "العبث بالسلم الأهلي هو خطّ أحمر، كما نؤكّد بأنّ المصالحة هي جوهر وجود هذا الجبل، والتصدي لهذه الأعمال هو تصدٍّ مشترك من المسيحيين والموحدين الدروز في وحدة صفّ وموقف حفاظًا على استقرار الجبل بوجه خاص واستطرادًا لبنان كلّه بوجه عام".
وطالب عدوان "الأجهزة المعنية بتوقيف الفاعلين"، مؤكدا "أنّ ما حققته المصالحة أكبر بكثير من محاولات خبيثة للتشويش على مفاعيلها".
فتنة طائفية
بدوره، أشار مفوّض الشوف في حزب الوطنيين الأحرار فادي المعلوف، إلى أنّه "يهم الحزب أن يعرب عن سخطه من الأعمال التي قام بها بعض الموتورين في منطقة بريح- الشوف، الذين قاموا بطلاء أبواب منازل المسيحيين بصور جماجم باللون الأحمر، بهدف استيلاد فتنة طائفية لطالما نبذها الشوفيون منذ زمن طويل".
وأعرب عن استنكاره "هذه الأعمال التي لا يمكن وصفها الا بالصبيانية، ودعا مختلف القوى الأمنية بالقيام بواجباتها بالسرعة المطلوبة خوفا من أي تداعيات ممكن ان تمس بالسلم الأهلي"، مؤكدًا "التمسك بوحدة الجبل، التي دفع الشعب اللبناني ثمنها باهظا لتحقيقها".
وغرّد عضو كتلة لبنان القوي"، النائب غسان عطالله، على حسابه عبر "تويتر"، كاتبًا، "ما حصل في بريح غير مقبول ونحن نتابع الموضوع مع الأجهزة الأمنية المعنية ومع المرجعيات على أعلى المستويات".
وأضاف، "سنستمر بمتابعة التحقيقات حتى الوصول إلى مجازاة الفاعلين، كما ستكون لنا خطوات لاعادة الطمأنينة إلى قلوب أهلنا في بريح".
وبريح التي تأخرت في طي صفحة الحرب، هي إحدى بلدات الشوف التي شملتها المصالحة بين المسيحيين والدروز في العام 2000، فعاد أهلها الذين تهجّروا منها في فترة الحرب.
لكن حتى اليوم، لم ينتقل إلى بريح للإقامة الدائمة سوى عدد قليل جدا من المسيحيين. فقد أسس أغلبهم لأنفسهم حياة جديدة في مناطق عمرانية أكثر ازدهارًا من الناحية الاقتصادية.