كتب خالد العزي في جسور:
في قراءة جديدة لاستراتيجية الحربية "الروسية والاوكرانية" للعام 2023 فإن إشارات الحرب لا تزال هي المسيطرة على الرؤية الميدانية بالنسبة إلى العاصمتين فيما التحدث عن إمكانية التوصل إلى حوار قادم بين الطرفين مرفوض والحوار مشروط فالحرب تهدف الى فرض توازن قوى بينهما لجعل الحوار مثمرًا.
للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب الروسية -الاوكرانية، خرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من بلاده متوجهاً إلى واشنطن حيث التقى الرئيس الاميركي جو بايدن في زيارة اكتسبت زخماً استراتيجياً، كونها تضمنت إعلان الرئيس بايدن عن تقديم مساعدة أمنية إضافية بقيمة 1.8 مليار دولار، كما أعلنت واشنطن عن نيتها تقديم صواريخ باتريوت (أرض ـ جو) المتطورة لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة القوات الروسية.
أهمية الجولة الأوكرانية للخارج
لكن بعد هذه الجولة والاستقبال المميز وفي ظل تدفق الدعم الغربي لأوكرانيا "لا صلح ولا اعتراف ولا ضمانات أمنية ولا سلام قريب. روسيا بدأت تشعر أن الهزيمة قادمة لا محالة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي صارع طويلًا من أجل عدم نشر صواريخ الباتريوت في رومانيا وبلغاريا وبولندا، يجد الآن أنها وصلت الى كييف"، مشيراً إلى أنّ "بوتين اليوم مرتمٍ في أحضان إيران وكوريا الشمالية، يستجدي ويشتري منهما السلاح ويحاول أن يقيم توازنا بالالتفاف وتقديم التنازلات في سورية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في حين أن زيلينسكي يدير العملية الاوكرانية بقوة وشجاعة، ويتوجّه إلى بخموت، المنطقة التي فيها يستقتل الروس للسيطرة عليها وتحقيق انتصار سياسي لرفع معنويات جيشه، من دون خوف أو خجل والقول بأن بخموت لن تسقط"، معتبراً ان "زيلنسكي توجّه الى واشنطن، هو الذي لم يترك ساحة القتال منذ عشرة أشهر، وهذا يدلّ على أن الوضع الامني والعسكري والسياسي في أوكرانيا مستقر لمصلحة الاستراتيجية الاوكرانية".
الاستراتيجية الحربية الأوكرانية
الاستراتيجية الأوكرانية باتت واضحة. لا يمكن الجلوس على طاولة التفاوض قبل الانسحاب من أراضي أوكرانيا إلى الحدود المعترف بها دوليًا عام 1991، وعلى الروس دفع التعويضات المالية نتيجة الدمار الذي حصل بسبب غزوتهم ، وعلى روسيا تقديم ضمانات أمنية بعدم تكرار التجربة العسكرية مجددًا، بالإضافة إلى أن أوكرانيا تريد الذهاب بعيدا بملف الأزمة الاوكرانية من خلال تشكيل محكمة دولية لمعاقبة مجرمي الحرب الروس في أوكرانيا.
حقا زيلينسكي ممثل بارع وجيد في إدارة المسرح لقد لفت انتباه الجمهور، ذهب إلى البيت الأبيض لمقابلة رئيس أكبر دولة في العالم مرتديًا الزي العسكري، ودخل إلى البرلمان والكونغرس أيضاً وهو يرتديه، ليقول للاميركيين والعالم إن الأموال التي ترسلونها إلى أوكرانيا ليست للاستجمام، وبأنه يناضل على الجبهة مع المقاتلين. وقدّم ميدالية إلى بايدن صُنعت من قبل ضابط أوكراني على الجبهة من بقايا صواريخ الهيمارس المرسَلة من الولايات المتحدة الاميركية، للقول إن الجيش الأوكراني صامد بفضل مساعدة الأميركيين.
دخل إلى الكونغرس بدأ التصفيق الحار، وأهداهم علمًا أوكرانيًا جلبه معه من ساحة المعركة موقعًا من المقاتلين في باخموت، وهذه رسالة معنوية كبرى للقول للكونغرس إن أوكرانيا تدافع عن الديمقراطية والقضايا والمبادئ الأميركية، وتقاتل دولة ديكتاتورية ونظامًا شموليًا يريد أن يقوم بالتخريب في كل العالم، وللقول أيضاً إن أوكرانيا الحجر الأساس الذي يدافع عن أوروبا، والجبهة الاولى التي تمنع بوتين من التمدد ومن رفع سلاحَين: النووي والطاقة، والغذاء في وجه العالم، لذلك المطلوب مدّ أوكرانيا بأسلحة حديثة ومتطورة لإقامة توازن رعب".
دعوة زيلينسكي الى واشنطن
لقد حملت الزيارة رسالتين وجههما بايدن، الأولى بأن الدعم مستمر لأوكرانيا وقد تزامنت الزيارة مع إقرار سلسلة من المساعدات العسكرية والمالية، وثانياً إلى ايران والصين والهند بأن اوكرانيا خط أحمر، وأن سقوطها والتعدي عليها ممنوع، خاصة وأن بوتين، على ما يبدو غير متحمس للحوار بل ذاهب للتصعيد والحرب، لذلك فإن بوادر السلام لن تأتي إلا بتوازن رعب، والباتريوت يشكل جزءا من توازن الرعب هذا، ولكنه ليس الجزء الاساسي .
روسيا تعاني، وبدأت تتقهقر بدليل تراجعها في سوريا وكاراباخ ووسط آسيا ومنعها من الهبوط في الأردن وربما في مصر قريبًا ودول اخرى ، كذلك علاقتها بالأتراك ووضعها في إيران بالإضافة الى مشاكلها الداخلية وعدم تسجيل أي انتصارات في أوكرانيا. فان استمرار الحرب لروسيا هو بالنهاية مخرج مريح. لذلك فإن السلام سيأتي، ولكن لن يأتِ وفقا لشروطها. وفي مقارنة بسيطة نجد ان مطالب وشروط روسيا التي كانت قد رفعتها مع بداية الحرب في كانون الثاني الماضي، قد تراجعت اليوم بعد النكسات والضربات التي تلقاها جيشها والعقوبات التي نزلت وستنزل عليها، وبالتالي ليس لديها إمكانية لفرض شروط حيث حددت روسيا مطالبها بنزع سلاح أوكرانيا والتخلي الذاتي عن العقيدة النازية التي باتت تنخر جسمها .
حتى المقاطعات الاوكرانية الأربع لم يضمها نهائيًا بوتين ولا يزال يقاتل على جبهاتها في أشرس محورين باخموت الذي يحاول الروس إسقاطها والقتال فيها بشراسة لأنه مطلب سياسي والوصول النهائي للحدود الإدارية لمنطقة دونيتسك .
أما المحور الخطر لأوكرانيا فهو "كريمنيا سافاتوفا"حيث يدور قتال عنيف لحسم المعركة التي تعتبر استراتيجية لهم للوصول الى مدينة سيفيرودونيتسك وليشانسيك في منطقة لوغانسك اللتين سيطرت عليهما روسيا في أوائل الصيف الماضي، و ما زال القتال مستمرًا هناك. يفهم الأوكران بأن ما يفعله بوتين في طلب الحوار هو لإعادة تضييع الوقت للبدء مجددًا في الالتفاف على النصر الميداني الذي حققه الاوكرانيون، وبالتالي سيخسر الاوكرانيون كل الإمكانيات التي حصلوا عليها والوهج الشعبي في صمودهم بوجه روسيا إذا جلسوا على طاولة التفاوض دون أوراق يضعونها على الأرض بوجه المفاوض الروسي لتحسين الشروط.
الاستراتيجية الروسية للحرب الأوكرانية
تكمن الاستراتيجية الروسية التي يحاول بوتين تبنيها من خلال زيارته لغرفة العمليات في مناطق الجنوب الأوكراني بأنه لن يتحمل وحده مسؤولية المعارك في أوكرانيا. أطلق بعدها شعاره الجديد بأن روسيا تحارب في أوكرانيا وليست عملية خاصة .
الروسي يحاول مع نهاية العام الحالي،وأعلن تعبئة جديدة لفتح جبهات مقترحة في الدونباس للسيطرة على الحدود الإدارية "لشبه "الجمهوريتين.
كما فتح جبهة زاباروجيا للضغط على مناطق الجنوب بالإضافة إلى أنه يريد فتح جبهة بيلاروسيا من جديد للضغط على كييف بعدم إرسال إمدادات للجنوب والجنوب الشرقي، ريثما يستطيع انهاء العملية وفرض قراراته عليها .
لقد أعلنت روسيا رفضها إجراء مفاوضات سلام بشروط أوكرانيا، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، في مؤتمر صحفي بتاريخ 26 ديسمبر/ كانون الأول الجاري ردًا على سؤال ما إذا كانت موسكو مستعدة للتفاوض في ظل ظروف معينة من كييف "لم نتبع شروط الآخرين قط، ركزنا فقط على ظروفنا، وعلى التفكير السليم".
من هنا، اقتنع الأوروبيون و الأميركيون بما تطالب به أوكرانيا أي الانسحاب الكامل لروسيا من أراضيها، ومن ثم بدء المفاوضات، والنقاش على أساس المصالح وإعادة بناء أوكرانيا، وايضًا تشكيل محكمة دولية لمعاقبة الروس الذين ارتكبوا جرائم ضد أوكرانيا".
التهويل الروسي بالحرب من اجل الحوار
في المقابل، وعلى الضفة الروسية، اعتبر نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن الخطط الأميركية لمواصلة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، بما فيها أنظمة "باتريوت"، تدل على مزيد من تورط واشنطن في الصراع.
من جهته، طالب رئيس إدارة أميركا الشمالية في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر دارتشيف بمغادرة "المدربين" التابعين للناتو وتوقف إمداد كييف بالسلاح قبل البدء في أي محادثات سلام بشأن أوكرانيا.
كما أشار الى أنه لن يكون هناك أي تفاوض جدي حول الضمانات الأمنية من دون الاعتراف بالواقع على الأرض. فهل الأزمة الأوكرانية الروسية أمام حرب طويلة ومفتوحة أم هي بداية الطريق أمام السلام والحل الدائم بين البلدين؟
في ظل هذا التصور الروسي للحرب وإصرار بوتين على متابعة الحملة العسكرية بغض النظر عن الخسائر، الحرب ستطول إلى أن يتحقق الميزان التعادلي للقوى المتخاصمة للذهاب بعدها إلى المفاوضات. متى يحصل ذلك؟ أوكرانيا وعدت والأغلب أنها ستفي لأنها منذ بداية الحرب نفذت كل ما وعدت به وحرّرت أراضيها، على عكس روسيا التي فشلت في إعطاء مصداقية لكل ادعاءاتها بدءًا من الحرب ضد النازية، وضد الناتو، والحرب العالمية الثالثة وصولًا إلى التهديد بضرب النووي وإقفال طريق الحبوب ومنع الإمداد بالطاقة.
لننتظر ونرى الى أين ستؤول الأمور . لأن أوكرانيا ستكون خلال أيام قليلة أمام معركة مفتوحة في منطقة زابوريجيا ولوغانسك، وخاصة بعد زيارة الرئيس الأوكراني إلى واشنطن حصلت بموجبها اوكرانيا على سلاح متطور ، ودعم مالي يمكن التوقف امام تصريح الكسي دنيلوف مدير المخابرات الاوكرانية "بأن الدعم الغربي القادم إلى كييف بدأت طلائعه تظهر للعلن وخلال الربيع القادم سنقدم للعالم أفضل هدايا".