كتب خالد العزي في جسور:
بعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى واشنطن ولقائه الرئيس الاميركي جو بايدن، والمشاركة في القمة التي عقدت في العاصمة الاردنية عمّان في 20-22 من شهر كانون الاول/ديسمبر الجاري للمشاركة في مؤتمر بغداد 2، وبعد زيارته قطر لمتابعة مباريات نهائيات كأس العالم التي يشارك فيها المنتخب الفرنسي الذي خسرت فيه بلاده بطولة كأس العالم ولم تتوّج بطلة من جديد في هذه الرياضة، فجأة أجّل الرئيس الفرنسي زيارته إلى بيروت التي كانت متوقعة بعد زيارة قطر ولقاء الأمير تميم كي يتم فيها بحث الوضع اللبناني وأزمة الرئاسة لكن البحث في قطر في ملفات الرئاسة كان صعبًا جدًا، وإن كان مكلفًا بطرحه مع موافقة أميركية.
بالرغم من محاولة ماكرون الدائمة التمايز في مواقفه السياسية لجهة التعاطي مع الأزمة اللبنانية، لكنه لم ينجز أي خرق، وقد عبر عن مواقفه مؤخرًا بعدم رضاه عن الطبقة السياسة في لبنان، وطالب بتغييرها من أجل الوصول إلى حل، لكنه أصرّ على أن حزب الله" لوجود خلاف على شرعيته عربيًا لبنانيًا وحتى شيعيًا" هو حزب لبناني متواجد في البرلمان، ولا يمكن أن تخرج الحلول بالابتعاد من إشراكه باختيار الرئيس؟
وكأنه مجددًا يحاول تسويق محاولته السابقة بالتفاهم مع إيران على عقد اجتماعي جديد والالتفاف على ضعفه.
وبحسب المعلومات الغربية فإن ماكرون غير مرضى عنه محليًا ودوليًا ومغضوب عليه أوروبيًا، رغم إن فرنسا، للأسف، هي الدولة الوحيدة الناطقة باسم أوروبا، لأنها عضو في الاتحاد الأوروبي ولها صوتها في الامم المتحدة، كما أن سياسته سيئة في كل ما يتصل بالقضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.
ماكرون يحاول أن يُنتج أي اتفاقات قد تعيد له دورًا يستفيد فيه مع إيران، وقد رأينا عقب انفجار مرفأ بيروت كيف سارع ووقّع اتفاقًا بثلاثة وعشرين مليار دولار لشركة "توتال" مع إيران في العراق لذلك فإن "فرنسا تلعب دورًا سيئًا تجاه مستعمراتها، والدليل ما فعلته في الجزائر وافريقيا ومالي وأيضًا في أرمينيا وأوكرانيا وغيرها وصولاً الى لبنان، حيث قرارها غير محبب به. فما الذي فعلت في العراق وماذا قدّمت للانتفاضة الايرانية؟ لا شيء".
فرنسا لا تقوم كما الأوروبيين بوضع جناح "حزب الله" السياسي على لائحة الارهاب، وتعقد اتفاقات مع "حزب الله"، وتلتقي وزراء ونواب الحزب عبر السفيرة الفرنسية آن غريو، مراعاة لإيران والدليل تلزيم شركة "توتال" الفرنسية التنقيب عن النفط جنوبًا، والدور الذي ستلعبه كصلة وسط ما بين إسرائيل ولبنان، فرنسا تريد فتح استثمارات في إيران لدعم اقتصادها السيء"!
بالوقت الذي يتعرض الكيان اللبناني لأزمة، وتسبب بمشكلة للموارنة، فإن مجموعة منهم تنادي بمفهوم الأقليات الذي يقوم على حساب لبنان، وليس على مفهوم أن السلطة هي بالتقاسم. رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يسعى للوصول الى الرئاسة، وقد توجّه الى فرنسا لهذه الغاية إلا أن الفرنسيين لا يملكون شيئًا لتقديمه.
فرنسا صندوق بريد تنفذ ما يريده الغرب، وبالتالي كل مبادراتها ساقطة، حتى المبادرة التي قامت بها السفيرة السويسرية لجمع الأقطاب حول طاولة حوار كانت بإيعاز فرنسي.
كما أن سويسرا ترعى مصالح الولايات المتحدة الاميركية في إيران، لذلك كُلفت السفيرة برعاية طاولة حوار، بالاتفاق مع فرنسا، التي تحاول أن تقول للأميركيين "أستطيع أن أنتج حلًا في لبنان" ولكن هذا الحل، على مرّ التاريخ لم يُنتج فرنسيا، من" لوزان الى جنيف الى سان كلو، وصولاً الى التحركات الماكرونية عقب انفجار المرفأ".
الأم الحنون هي التي ترعى، بينما فرنسا لا تمول لبنان لا اقتصاديًا ولا سياسيًا ولا دبلوماسيًا"، فإن لبنان من دون العرب لا شيء، لأننا جزء من العرب، وكل مصالحنا وأعمالنا في الدول العربية، بدليل ان كل الانهيار الذي عشناه خلال السنوات الست التي مرت وما زلنا، سببه ابتعاد العرب من لبنان ،لأن العهد كان صندوق بريد ل"حزب الله" وإيران في مواجهة العرب.
إضافة الى الدور الاميركي المبهم من أجل إعادة تسوية مع إيران، لأن الحلّ والربط يبقى بيد الولايات المتحدة الاميركية، وإذا لم توافق الأخيرة على أي اتفاقات أكان ببيعنا او شرائنا، فلن يتحقق.
ليس لدى فرنسا أي خطة تقدّمها للبنان، من هنا كان البيان الثلاثي الفرنسي الأميركي والسعودي، الذي أعطى دورًا للمملكة العربية السعودية في لبنان، وبدونه لا يمكن للسعودية ان تغطي لفرنسا تسوية جديدة باختيار إي رئيس لا يراعي المصالح العربية للبنان، ويتم انقاذه من الانهيار الاقتصادي او استخدامه كمنصّة كما استخدمت في الـ 2016 لمحاربة الدول العربية وتحريض لبنان على هذه الدول.
وبخلال زيارة ماكرون الى عمان، لم يستطع خلالها سوى الإعلان بأن المخاطر الخارجية تحاصر لبنان موجهًا الكلام إلى "إيران"، التي تهدّد بدورها استقرار لبنان والمنطقة، وتمنع انتخاب رئيس جمهورية، بالإضافة للتحدث عن دور بلاده بترسيم الحدود، وقد وجّه رسالة إلى العرب مفادها أن هذه الخطوة كان لفرنسا دورًا أساسيًا فيها، ودعمًا كبيرًا، وسيكون لشركة "توتال" الدور الضامن في عملية استخراج النفط .
مع تحول الوضع الطارئ في إيران وخطورة المواقف التي تقف بوجه مصالح فرنسا الاقتصادية والنفطية التي تطمح للوصول إليها بكل قوة. لكن التطورات الأخيرة باتت تفرض نفسها على طموحات ماكرون التي باتت الانتفاضة الإيرانية تظهره على حقيقته التجارية، مما بات يدفعه للتمسّك بهوية لبنان الوطنية، والمحافظة عليها من الاندثار التي تهدده.
لكن من الواضح بأن فرنسا محكومة بالبيان الثلاثي الأمريكي السعودي الفرنسي، واتفاق قمة دول الخليج، والدول العربية بما يخص لبنان، فلم تستطع الخروج بجائزة ترضية التي يحلم بها ماكرون في حل الازمة اللبنانية ليعالج أزمته السياسية وينهي بها مساره السياسي.