الحرب بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف العسكري بقيادة السعودية تارة والحرب الروسية في أوكرانيا تارة أخرى إضافة الى جملة عوامل أخرى، ألقت بثقلها على كاهل الأمن الغذائي في اليمن وبات واضحًا ألا قاع لبحر كارثة غذائية تنهش جيوب المواطن اليمني وتهدد لقمة عيشه، ما تسبب في أوضاع أصبحت قاب قوسين أو أدنى من المجاعة الشاملة، ذلك أن اليمن يعتمد على استيراد غالبية السلع الغذائية، وبالتالي نشوب أي أزمة خارجية ستؤثر بشكل مباشر وسلبي على البلاد.
وفي أحدث تقرير دولي عن الوضع الغذائي في اليمن، دقت تحذيرات أممية ناقوس الخطر مشيرة الى أن نحو 25.5 مليون نسمة في اليمن، من إجمالي السكان البالغ 30 مليون نسمة، باتوا يعيشون تحت خط الفقر وبحاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة، وأن أكثر من 80% من سكان اليمن يكافحون للحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية الكافية، في حين أن ما يقرب من 90 % منهم لا يحصلون على الكهرباء.
ولا يختلف اثنان على أن من دون تدخل دولي عاجل يوشك اليمن على السقوط في براثن أزمة جوعٍ كارثية، ما دفع كبرى المجموعات التجارية والمستوردة في اليمن إلى دعوة المجتمع الدولي لوضع حلول ملموسة وقابلة للتطبيق.
وبالفعل، وقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية اتفاقية تعاون مشتركة مع برنامج الأغذية العالمي بقيمة 20 مليون دولار، بموجبها سيتم تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية العاجلة لنحو 524 ألف نسمة من الأسر الأكثر احتياجا في اليمن، خصوصًا بعدما اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تخفيض الحصص الغذائية المقدمة لـ8 ملايين شخص في اليمن بسبب نقص التمويل.
واعتاد الشعب اليمني على مشاهد تدمي القلوب، اذ بات البحث عن بقايا طعام وسط أكوام القمامة والوقوف في طوابير أمام المطاعم لساعات للحصول على وجبات مجانية من يوميات كل مواطن يكافح للبقاء على قيد الحياة.
وسط هذه الأجواء، حمل ناشطون، الحوثيين مسؤولية ما آلت إليه حال اليمنيين من فقر وجوع بفعل جرائم الفساد والتجويع التي مارسوها منذ ثماني سنوات، وفق قولهم.
وبدوره، أشار مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري في حديث لـ"جسور" الى أن "مأساة الشعب اليمني أكبر من أي تغطية إعلامية، وما يصل للإعلام جزء بسيط من المعاناة الحقيقية.
إذ إن "مليشيا" الحوثي تتعمد تجويع اليمنيين ومفاقمة أوضاعهم الانسانية لأسباب عدة، أبرزها استغلال الوضع المعيشي الكارثي لتحقيق مكاسب سياسية ومادية بغية تكثيف المجتمع الدولي الضغوط على الاطراف الأخرى بينما يرفض الحوثي تقديم أي تنازلات من أجل أنهاء الحرب، معتقدًا أن معاناة اليمنيين وانشغالهم في البحث عما يسد جوعهم يُعبد الطريق لتثبيت اركان السلطة الطائفية."
واستطرد موضحًا "الحديث عن السلام مع الحوثيين مجرد بيع للوهم لأنهم لا يسعون الى تحقيق السلام، ذلك أن وضع حدٍ للحرب قد يعيق تمدد وقوة الجماعات الإرهابية ما يشكل ضربة قاتلة للحوثي البعيد كل البعد من الشراكة الوطنية في مناصب الدولة ومؤسساتها، وبالتالي لن يشق طريق السلام إلا تحت ضغط دولي."
وتشي المعطيات كافة، حتى الساعة، بألا هدنة جديدة تلوح في أفق الحرب الحالية ما يثير حفيظة الشعب اليمني الغارق بالأزمات السياسية والاقتصادية كون سمحت له الهدنة الأخيرة في أبريل/نيسان الماضي بوقف القتال واتخاذ بعض التدابير التي ساهمت في تخفيف صعوبات الظروف المعيشية للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
اذًا، الأزمة الغذائية في اليمن تدخل منعطفاً خطيرًا وتنذر بوقوع "زلزال" يطيح بالأمن الغذائي مُعبدًا الطريق أمام مجاعة ستبقى محفورة في تاريخ اليمنين، ما يثير سخطًا واسعًا في أوساط الحقوقيين، تزامنًا مع تحذيراتهم من اتساع رقعة الجوع وانعدام سبل العيش في بلد بات أشبه بكابوس للشعب اليمني الذي اصبح الخاسر الأكبر من عدم وجود هدنة تبسط سيطرتها بيد من حديد لأنه يسدد فاتورة صراع وقع ضحيته منذ أكثر من ثماني سنوات.