ربما كان عام 2022، من أكثر الأعوام التي شهدت أحداثا ووقائع دراماتيكية، وأوضاعا مضطربة، وتحديات صعبة في العراق، مقارنة بالأعوام السابقة، لتَرسم معها مشهدا مقلقا وسوداويا يخشى العراقيون أن يطول مساره في المرحلة المقبلة.
في 2023 ستتعامل الحكومة الجديدة مع ملفات مهمة ينتظر العراقيون أن يجد المسؤولون حلولا لها لتحسين أحوالهم، أبرزها التحديات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التحديات البيئية والمناخية.
التحديات الإقتصادية والأمنية
وعلى الرغم من أن العراق يعيش وفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط في العالم، حيث صدّر نحو 3.5 مليون برميل يوميا طوال العام الماضي، وفقا لإحصائيات محلية، وجمع نحو 60 مليار دولار من تصدير النفط الخام في النصف الأول من عام 2022 وفقا لرويترز، إلا أنه أنهى العام بانخفاض في سعر العملة المحلية مقابل الدولار.
وسبق الانخفاض تناقص في نشاط مزاد العملة بسبب عقوبات طالت عدة مصارف عراقية متهمة بتهريب العملة الصعبة.
ويقول المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي في اتصال مع "جسور"، إن الحكومة الحالية، التي تتمتع بالأغلبية البرلمانية، "لا تزال ضعيفة وغير فعّالة، ولم تظهر حتى الآن، بعد نحو ثلاثة أشهر من تشكيلها، أي ملامح تشكيل استراتيجية واضحة للبلاد".
ويضيف: "تنتظر حكومة السوداني الكثير من التحديات، أبرزها الملف الاقتصادي، في ظل توقعات بارتفاع سعر الخام خلال العام الحالي، الذي قد يزعزع بيئة التحالفات السياسية ضمن الإطار التنسيقي الداعم الأكبر والأهم لحكومة السوداني، وتغيير مجرى الصراعات الدولية، وللعراق نصيب بذلك، سواء بارتباطه بتقاطع ومصالح دول الجوار والإقليم، أم بحكم موقعه الجيوسياسي، ولن تتمكن أي حكومة من تجاوز تلك العقد والتقاطعات من دون إصابات وجروح ستطال جسد الحكومة، ما ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطن اليومية، وأسلوب معيشته، وإن لم تتمكن من الاحاطة بمراعاة المصالح المذكورة فلن يكتب لها الاستمرار والبقاء ."
والى ذلك، يتوقّع السامرائي أن يؤدي ارتفاع أسعار الدولار إلى مشاكل اقتصادية تدفع الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة إلى محاولة الهرب منها من خلال خلق مشاكل سياسية وصراعات مع الكتل الأخرى، ويشير إلى أن التحديات الأمنية قائمة أيضا، وأهمها الهجمات المستمرة لتنظيم داعش، واختراق الحدود العراقية المستمر من قبل تركيا وإيران، وأيضا ارتفاع أنشطة تجارة المخدرات وتهريبها في البلاد.
وعن الشأن المالي أيضا، تقول الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم، إن التحدي الاقتصادي الأبرز الذي يواجه البلاد في 2023 هو القدرة على تشديد الرقابة وإصلاح النظام المصرفي لعدم السماح للمتلاعبين بالاستفادة منه.
وتضيف سميسم في تصريح لـ"جسور": "هناك حاجة إلى تحديث وتفعيل قانون الضمان الاجتماعي، بما يفعل التشغيل في القطاع الخاص، وتشريع قانون حماية الملكية الفكرية لضمان دعم الاستثمار وجذب الشركات الكبرى للعمل في العراق، وتفعيل قانون مكافحة تشابك المصالح وقانون مكافحة الاحتكار".
كذلك تُبيّن أنّ موازنة 2023 تواجه تحديين: سعر صرف الدولار مقابل الدينار وأسعار النفط، مشيرة إلى أنّ خطر الفساد يرتبط بضغوط سياسية تواجه حكومة السوداني، فضلا عن الملفات الكثيرة التي ستواجه حكومته، والمتعلّقة بإرضاءات المحاصصة والأطماع وبين حصص الكتل السياسية التي تقتسم النفوذ الاقتصادي في البلاد. وتوقّعت سميسم فقدانا أكبر لمستويات الاستقرار الاقتصادي، ما يؤدي إلى ترسيخ التضخم.
التحديات السياسية
وعلى الصعيد السياسي، يوضح الكاتب والباحث في الشأن السياسي الدكتور قاسم بلشان التميمي، في تصريح لـ"جسور"، أن محاربة الفساد والإطاحة بالرؤوس الكبيرة هي من أهم التحديات السياسية التي تنتظر العام الجديد في العراق، فضلا عن عملية الإتفاق ما بين الكتل والأحزاب السياسية، خصوصا فيما يتعلّق بإقرار قانون الأحزاب وتشريع قانون انتخابات جديد.
وشدّد التميمي، على ضرورة بسط الدولة لقوانينها على أرض الواقع، ومعالجة معضلة السلاح المنفلت، مضيفا: "ما تزال كثير من الملفات العالقة التي تركتها الأزمة السياسية من دون حلول ناجحة يمكن أن تؤمن أجواء مستقرة لحقبة جديدة، ويمكنها معالجة قضايا تنخر بالمجتمع العراقي، مثل الفقر والبطالة وتداعي الاقتصاد، وتردي قطاعي الصحة والتعليم، فضلا عن المشكلة الأكبر المتمثلة بالسلاح المنفلت، وهي التي أدت إلى انفجار الشارع العراقي في العام 2019، وتفاقم الأزمة السياسية ما بين المكونات السياسية والاجتماعية".
التحديات القانونية
قانونيا، يشرح الخبير العراقي في الشأن القانوني، حسين السعدون، أنّ أهم القوانين التي يجب تشريعها أو تعديلها في عام 2023 هي قوانين الانتخابات، المحكمة الاتحادية وقانون الموازنة. ويضيف السعدون لـ "جسور" أن المحكمة الاتحادية أوصت بأن يعتمد العد والفرز اليدوي حصرا في الانتخابات المقبلة مما يضع ضرورة لتعديل القانون الانتخابي في البرلمان، كما أن قانون الموازنة يفضل أن يكون لعدة أعوام بدلا من موازنة عام واحد.
التحديات المناخية
ويواجه العراق تحديا مناخيا طارئا ينبغي عليه لمواجهته التوجّه نحو نموذج تنمية "أكثر اخضراراً ومراعاة للبيئة"، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون، كما اعتبر البنك الدولي في تقرير جديد له حول العراق.
وبحلول سنة 2040، "سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحاً فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل"، وفق التقرير، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنوياً.
وفي هذا الإطار، كان صرّح الناشط والخبير البيئي أحمد صالح نعمة، في حديث سابق لـ "جسور" أنّ الجفاف ضرب البلاد بشكل قوي خلال الصيف الماضي، وعلى الرغم من الأمطار التي شهدها الموسم الحالي، إلا أن هناك جفافا قويا متوقعا صيف عام 2023، لافتا إلى أنّ المواطن العراقي، يعاني من نقص كبير في مياه الشرب في عدد من مناطق البلاد، وانخفاض في ساعات التغذية بالكهرباء، ما يدفع المواطنين للجوء إلى المولدات التي تعمل بالديزل، مما يضيف لمعدلات التلوث المرتفعة أساسا.
ويعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر عرضةً لعواقب التغير المناخي، وفق الأمم المتحدة، كما أثّرت عقود من النزاعات على البنى التحتية للبلاد واقتصادها المعتمد إلى درجة كبيرة على النفط الذي يمثّل نسبة 90% من الإيرادات.