يؤكد حدث تلو الآخر أن المشهدية الأميركية تعاني من انقسام حاد إن كان بين الجمهوريين والديمقراطيين أو في صف كل فريق على حدة. وفي جردة مقتضبة على أبرز الحوادث التي سطرت التاريخ الأميركي لما تشكله من تشرذم سياسي عميق، نذكر اقتحام الكابيتول عام 2021 من قبل أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب الرافضين الإقرار بخسارتهم، وحتى اليوم يتهم الجمهوريون الديمقراطيين باستخدام حادث اقتحام الكابيتول كسلاح سياسي لتقسيم البلاد. هذا على صعيد الشرخ الواسع بين الجمهوريين والديمقراطيين.
أما البلبلة التي سادت انتخاب رئيس جديد للبرلمان الأميركي فتُظهر جليا انقسام الجمهوريين بعدما امتنعت مجموعة الجمهوريين الـ20 في مجلس النواب التي تنتمي إلى "تجمع الحرية" عن التصويت لمكارثي رغم مطالبة الرئيس السابق ترامب، الى أن تم انتخاب في نهاية المطاف كيفن مكارثي رئيساً لمجلس النواب بعد 15 جولة اقتراع وبعد شبه عراك بالأيادي في مجلسي الكونغرس.
ما حصل في المجلس النيابي يؤكد أن الخلافات تلقي بثقلها على الحزب الجمهوري ولا تزال هي هي لكن الفارق الوحيد اليوم أنها ظهرت الى العلن بعدما فشلت جهود تسوية الخلافات خلف الكواليس بين ماكارثي وعناصر الجناح الأكثر تشدداً في الحزب الجمهوري الذين ساندهم ترامب، لتكشف 15 جولة داخل أروقة البرلمان المستور مؤكدة غياب الوحدة في صفوف الجمهوريين.
تشرذم سياسي
والمؤكد أن عملية انتخاب رئيس مجلس النواب تحولت الى دراما تعكس انقسام الأغلبية الجديدة وكارثة تاريخية لم تحدث منذ قرن. وفي حديث لـ"جسور"، شدد الأكاديمي والخبير في إدارة النزاعات الدوليّة د. إسحاق أندكيان "على الانقسام الحاد بين الجمهوريّين والديموقراطيّين داخل المؤسسات الدستوريّة في واشنطن".
واستطرد موضحا "طريقة انتخاب كيفين مكارثي تؤكد أن الحزب الجمهوري لا يتكلّم بلسان واحد إذ يضمّ مجموعات وأجنحة تمتدّ من أقصى اليمين إلى اليمين الوسط بما في ذلك مجموعة يرأسها النائب أندي بيغز وهو النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا، إلى جانب مجموعة أخرى من النوّاب الجمهوريّين لا يتعدّون العشرة نوّاب يشكّلون جبهة الحريّة داخل الحزب الجمهوري."
وفند أندكيان كواليس الدراما التي اكتنفت انتخاب رئيس جديد للبرلمان، مشيرا الى أن "أعضاء جبهة الحريّة (داخل الحزب الجمهوري) كانوا على علم بحاجة كيفن ماكارثي لأصواتهم كي يحصل على الأغلبيّة البسيطة للفوز بمنصب رئيس المجلس، وهنا بدأت "لعبة" رفع سقف مطالب هذه الجبهة كي تحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسيّة."
تحديات شتى
ونجح النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي في الحصول على الأصوات اللازمة لانتخابه رئيساً لمجلس النواب بعد 15 جولة تصويت. ومسار انتخاب مكارثي ينذر بمرحلة صعبة خلال السنتين المقبلتين وبأن الطريق سيتخللها مطبات عدة. وسط هذه الأجواء، يشير أندكيان الى أنه "لن تكون السنتان المتبقيتان من حكم الرئيس بايدن سهلة على الإطلاق إذ سيتم عرقلة سياساته من الجمهوريّين المسيطرين على مجلس النوّاب ولن تمضي عجلة السياسة الأميركيّة قدماً إلّا من خلال الصفقات والتسويات التي تفيد الطرفين".
وشرح "صحيح أنّ مكارثي يتولّى أهمّ ثالث منصب في الولايات المتّحدة الأميركيّة بعد رئاسة الجمهوريّة ونيابة الرئاسة، لكن لا يستطيع القيام بالكثير خصوصا وأن مجلس الشيوخ بقي بيد الديموقراطيّين الموالين للرئيس بايدن. فالقوانين في الولايات المتّحدة تصدر عن جهتي الكونغرس أي مجلسي النوّاب والشيوخ ولو سلّمنا جدلا ً أنّ قانونا ً قد تمّ تمريره في مجلس النوّاب لا يرضى عنه الديموقراطيّون، سيتم إيقافه في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديموقراطيّون".
وتابع "إستطرادا، يحقّ للرئيس بايدن ممارسة حقّ الفيتو الرئاسي على أيّ من القوانين الصادرة في الكونغرس، وبالتالي يمكنه اصدار أوامر تنفيذيّة حيال مواضيع معيّنة في حال تعرضه للمضايقات من مجلس النوّاب أو الجمهوريّين ليقفز بذلك فوق المناكفات السياسيّة".
وأضاف "في المقابل، يمكن لرئيس مجلس النوّاب الأميركي مكارثي عرقلة معظم التشريعات التي يريد الرئيس بايدن اقراراها، ناهيك عن فرض تحقيقات على إدارة الرئيس بايدن، اذ من المتوقّع مساءلة مجلس النوّاب إدارة الرئيس بايدن حيال مواضيع عدة، أبرزها مسألة الصفقات المشبوهة التي أتمّها نجل الرئيس الحالي هانتر بايدن مع سياسيّين أوكرانيين في قطاع الطاقة عام 2015، والإنسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، ومسألة تمويل أوكرانيا ومساعدتها عسكرياً وماديا ً لمواجهة الحرب الروسية ".