على وقع انهيار اقتصادي لم يوفّر قطاعًا من تداعياته في لبنان، وبعد اعتكاف هو الأطول في تاريخ البلاد للسلك القضائي الذي شلّ مصير الكثيرين وعلّق ملفات موقوفين، فيما يستمرّ الانسداد السياسي بشأن تعيين رئيس جديد خلفًا لميشال عون المنتهية ولايته، فكّ القضاة إضرابهم اليوم الثلاثاء بعد خمسة أشهر "تلبيةً لدعوة مجلس القضاء الأعلى بعودتهم" بحسب الصحافي اللبناني يوسف دياب في حديثه لـ"جسور" باعتبار أن "للقضاة رسالة وهي إحقاق الحقّ".
وتزامنًا مع أول يوم عمل للقضاء اللبناني، نفّذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (في الرّابع من أغسطس/آب) اعتصامًا أمام قصر العدل في بيروت، داعين القضاة "العودة الى ضمائرهم، ونحن كلنا يد واحدة وقلب واحد ضد هذه المنظومة الفاسدة التي تعمل على عرقلة التحقيق في هذه الجريمة".
ففي بلد اللاعدالة والإفلات من العقاب حيث المجرم لا يخاف ولا يُبالي، والسارق يطوّر أساليبه الإجراميّة، هل يضرب القضاء بيد من حديد إحقاقًا للحقّ؟ وهل يتحدّى المعرقلين؟ كيف حُلّت عقدة المطالب؟ وماذا عن تأثيرات اعتكافهم على المجتمع وهل خدم الدولة؟
عقدة من اثنين
وعلى الرّغم من الهشاشة التي يكنّها لبنان لناحية تحقيق العدالة، إلا أنه لم يسلم من اعتكاف القضاة مدّة 5 أشهر لمطلبين أساسيين وهما إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، وآخر مادي في ظل انهيار قيمة الرّواتب.
يقول دياب: "رئيس مجلس القضاء الأعلى ومجلس القضاء بذلاً جهودًا كبيرة جدًا لحثّ القضاة على العودة الى العمل باعتبار أن الإضراب المفتوح أو الاعتكاف دون أفق لا يجوز، وللقضاة رسالة تتجلّى في إحقاق الحقّ وإيصال اللبنانيين الى حقوقهم"، ويوضح أن ذلك حصل على أساس بعض الوعود التي قُدّمت للقضاة منها مُضاعفة الرواتب لثلاثة أضعاف بناء لما حصل في الموازنة والتقديمات المالية الذي يُقدّمها صندوق التعاضد من خلال دفع مبلغ بالدولار الفريش شهريًّا ويتراوح ما بين 400 و1200 دولار لكلّ قاضٍ بحسب الدرجات، بالإضافة الى تحسين التقديمات الطبيّة والتعليميّة والاجتماعيّة للقضاة.
في المُقابل، لم يتمّ التوصّل إلى حلّ في المطلب المتعلّق باستقلاليّة القضاء اللبناني بقانون يصدر عن المجلس النيابي بحسب دياب "ولكن هناك وعود بأنه عندما ينتظم عمل الدولة يوضع هذا البند على جدول مجلس النواب ويتم إقراره مع إدخال التعديلات الواجب إدخالها عليه".
من لم يلتزم الإضراب؟
ويشير دياب، ردًا على سؤال، إلى عدم التزام جميع القضاة الاضراب، فبعضهم قاموا بتسيير بعض العمليّات الضروريّة والانسانيّة المُلحّة عند حصول الاضراب الشامل. وكانت النيابية العامّة التمييزيّة وقضاتها يلازمون مكاتبهم ويسيّرون الأعمال في ظلّ اضراب المدّعين العامّين في كلّ المناطق والمحامين العامّين ويقول: "تمّ تسيير 5 الى 10% من المرفق القضائي."
آليّة محدّدة
يقول دياب إن الأمور عادت اليوم إلى ما كانت عليه ولكن ضمن آليّة مُحدّدة بحيث ان القضاة لم يحضروا جميعًا بدفعة واحدة الى مكاتبهم، ولا يداوم الجميع 5 أيام في الأسبوع، لكن توقّف الجميع عن الإضراب وبات القاضي يحضر لمدّة يومين أو ثلاث بالأسبوع للعمل على القضايا الأساسيّة والضروريّة وحلّ القضايا المُتراكمة. ويضيف: "بذلك تنطلق العجلة القضائية بشكل طبيعي وان كانت بطيئة، فالمواطن يمكنه اليوم ان يراجع ملفاته العالقة في العدليّة ويمكنه تقديم دعوى ان أراد بقضية ما كما يمكنه مراجعة قضية ذهبت إلى الحكم وطلب إدراجها على جداول الأحكام من جديد".
تأثيرات الإعتكاف.. والدولة في "مآسيها"
وردًا على سؤال حول تأثيرات اعتكاف القضاة على المجتمع وإذا خدم الدولة، يؤكّد دياب أن "التأثيرات كانت كبيرة جدًا وخطيرة بسبب الإحجام عن احقاق الحقّ، ولم يتمكّن الكثير من اللبنانيين تقديم الدعاوى، كذلك لم يتمكّنوا من اللجوء الى القضاء عندما تقع جريمة ما ، 90% من القضايا تقريبًا توقفت وانعكس ذلك سلبًا على الواقع الاجتماعي وحتى المالي للبنانيين بالإضافة إلى الاكتظاظ في السجون والامتناع عن البتّ باخلاءات السبيل والامتناع عن اصدار الاحكام التي تقضي بإطلاق سراح موقوفين محكوم عليهم، وهذا لم يخدم الدولة اللبنانية إنما راكم مآسيها على كلّ الاصعدة، على أمل أن يكون اليوم بادرة إنفراجة قضائية وأمنية تظهر نتائجها قريبا".