بعد رفع الدعم عن جميع أنواع حليب الأطفال في لبنان لعدم توفر خطة قادرة على ضبط التهريب والبيع في السوق، وفي ظل توقف شبه كامل عن تسليم الحليب إلى الصيدليات، عَلَت صرخات الأمهات اللواتي طالبنَ بإيجاد حلّ سريع لهذه الأزمة التي باتت تشكل خطراً على حياة الأطفال.
شكت وفاء ع. وهي أم لطفل عمره 4 أشهر، في حديث لـ"جسور"، "عدم توفر علب حليب الأطفال في الصيدليات والسوبرماركات"، لافتة إلى أنها "تلجأ إلى شرائه من السوق السوداء بأسعار غير مدعومة، قبل رفع الدعم حتى".
وقالت: "أنا من الأمهات اللواتي لم يتمكنّ من إرضاع أطفالهنّ، وبالتالي أصبح البحث عن الحليب في الصيدليات مهمة يومية وأساسية لديّ، والتخزين كان يحدث قبل التوقف عن تسليم الصيدليات الحليب بكميات محدودة ".
ولفتت وفاء إلى أن "الأسعار أصبحت خيالية، فالعلبة الواحدة يتراوح سعرها ما بين 350 ألف ليرة لبنانية و700 ألف ليرة لبنانية، وذلك يختلف بحسب عمر الطفل وإن كان يعاني من حالة خاصة كالإمساك أو المغص".
وأكدت أن "عدداً كبيراً من الأهالي بات يلجأ إلى إستيراد علب الحليب من دول الخليج أو من تركيا وغيرها، ويدفع ثمناً باهظاً من أجل ذلك. من هنا، فرفع الدعم بشكل رسمي ممكن أن يعيد علب الحليب إلى الصيدليات".
خوف كبير
بدورها، أعربت راشيل ن. ، وهي حامل في شهرها الثالث، عن خوفها الكبير من عدم إيجاد حليب لطفلها المنتظر بعد أشهر، لافتة إلى أن "حليب الأم أحياناً لا يكون كافيًا. وفي حال حدث مع المرأة أي مشكلة منعتها من الرضاعة يوم الولادة، قد تجد صعوبة في إقناع طفلها فيما بعد، بتقبل الحليب المجفف".
وتابعت في حديث لـ"جسور"، "برأيي أن فترة ستة أشهر هي كافية لإعطاء الطفل ما يحتاجه من حليب الأمّ، ويمكن بعد ذلك اعتماد الحليب المجفف، فذلك سيساعد الأم على استعادة عافيتها بعدما تكون قد خسرت الكثير من المعادن والفيتامينات أثناء فترة حملها وولادتها".
وأضافت راشيل: "لكن اليوم، العدد الأكبر من الأمهات يلجأن إلى الرضاعة الطبيعية لوقت أطول بسبب فقدان حليب الأطفال في الصيدليات والسوبرماركات، وارتفاع الاسعار بشكل هستيري".
كما أشارت إلى أنها لا تحبذ تخزين علب حليب قبل الولادة، لأنه "يجب انتظار ولادة الطفل لمعرفة ما يناسب معدته، ومراقبة إن كان يعاني من أي مشكلة وحساسية وأي حليب هو الأفضل له".
"الرضاعة هي الأهم"
لكن من جهتها، رأت أخصائية التغذية اللبنانية ريان فضل الله، في حديث لـ"جسور"، أنه "لا يمكن استبدال حليب الاطفال إلّا بالرضاعة التي تعتبر الأهم، ويجب أن تكون خيار الأم الأول منذ الولادة الذي لا بديل عنه، إلّا في حال عانت من مشاكل صحية كبرى منعتها من ذلك".
وتابعت: "الحليب المجفف لا يغني عن الرضاعة وحليب الأم لا ينقطع، لأنه كلّما أرضعت طفلها أكثر كلما زاد حليبها أكثر"، معتبرة أن "لا المياه ولا اللبن ممكن أن يكونا البديل عن حليب الأطفال، خصوصا الذين لم يتجاوزوا الأربعة أشهر من عمرهم، لكن من الممكن إعطاؤهم حليب الصويا إن وجد".
ولفتت إلى أن "عدم تناول الطفل الكمية المناسبة من الحليب سيصيبه بالجفاف، وسيؤثر بشكل سلبي على نمو أعضائه وبشرته وصحته بشكل عام، وأيضاً على مزاجه، حيث سيبقى الطفل حزيناً ومنزعجاً ومتعباً ولن يتمكن من النوم جيّداً، ولن يتمتع بقوة وستكون حركته بطيئة".
وريان الحامل بالشهر التاسع، قالت: "لست خائفة من فقدان الحليب المجفف لأنني سأقوم بالمستحيل من أجل إرضاع ابنتي، كما سألجأ إلى ضخ الحليب وتخزينه في الثلاجة (pumping)"، داعية كل سيدة لفعل ذلك.
رفع الدعم
وكان الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، قد لفت إلى أن خمسين ألف طفل في لبنان من عمر يوم إلى سنة سيتأثّرون بقرار رفع الدعم عن حليب الأطفال، مشيراً إلى أن العلبة زنة 400 غرام كانت بـ 166 ألف ليرة وأصبحت بـ 337 ألف ليرة بعد رفع الدعم، أما عبوة زنة 900 غرام فارتفعت من 383 إلى 575 ألف ليرة وباتت كلفة شراء حليب لطفل واحد وعلى مدى شهر بحدود المليونين و700 ألف ليرة.
وأشار شمس الدين إلى أن التبرير المعطى لرفع الدعم هو وقف التهريب ومنع الاحتكار، لافتاً إلى أن المواطن لا قدرة له على تحمّل دولة فشلت في عملها.
ووصف قرار الدعم ورفع الدعم بالخاطئ، داعياً إلى توجيه الدعم للأفراد وليس للسلع.
أما نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم، فقال في حديث صحفي، إن "خطوة رفع الدعم عن الحليب جيدة وتصب في تأمين الحليب للأطفال، وكان يجب أن تتخذ منذ سنتين وليس فقط للحليب بل للأدوية المدعومة باستثناء أدوية مرضى السرطان"، لافتًا إلى أنه "يجب أن تترافق مع خطة دعم لأهالي الأطفال وبنفس الوقت للمرضى".