كتب خالد العزي في جسور:
صرح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2023 بأنّ الغرب سيطلب من بلاده توقيع اتفاقيات تعترف بكوسوفو إذا لم توافق بلغراد على دعم العقوبات ضد موسكو ، و بلغراد تتحمل ضغوطًا خارجية، لرفضها فرض عقوبات على روسيا.
لقد ذكّر الرئيس الصربي بحادثة طلب الغرب تسليم الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، واعتقال القائد السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش مشيرا إلى أن صربيا لم تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي. والآن، إذا فرضنا عقوبات ، فسوف يتبين أن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق مع كوسوفو ، ولأن الأمر قد يتعلق بمنح بريشتينا عضوية في الأمم المتحدة من دون اعتراف رسمي من بلغراد باستقلال كوسوفو. لقد رفضت البعثة الدولية برعاية الناتو (القوة الدولية كفور) طلب بلغراد إرسال قوات أمن صربية إلى كوسوفو وميتوخيا.
أهمية البلقان بالنسبة لأوروبا
عقد زعماء دول غرب البلقان في 6 كانون الأول/ديسمبر الماضي قمة مع نظرائهم في الاتحاد الأوروبي في العاصمة الألبانية تيرانا، حول مستقبل المنطقة وعلاقتها بالوحدة الأوروبية، سبقها حراك دبلوماسي واقتصادي أوروبي تجاه البلقان.
يأتي ذلك بعد تردد أوروبي طويل حول الاهتمام بالمنطقة وإمكانيات ضمّها إلى مجال الاتحاد. و جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتعيد المسألة إلى دائرة الاهتمام الأوروبي، نظرا للأهمية الجيوسياسية التي تلعبها منطقة البلقان الغربية بوصفها منطقة صراع نفوذ بين قوى دولية مناوئة للأوروبيين.
الاستدارة الأوروبية اللافتة نحو البلقان تعد جزءا من استفاقة جيوسياسية أوروبية فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، مع أنها تحمل أهدافا أبعد من مجرد الحرب، بحكم أن غرب البقان جيب جغرافي واسع في جوار الاتحاد الأوروبي تتنازعه القوى الدولية غير الصديقة مثل روسيا والصين، وكذلك إطلالته على المياه الدافئة، حيث يشكل طريقا بديلا لتدفقات الهجرة الواسعة، سواء من المشرق أو من جنوب المتوسط، وبالتالي فإنه يعدّ بوابة رئيسة لدخول الاتحاد الأوروبي.
وأيضا فإن الاهتمام الأوروبي بدول غرب البلقان يأتي في ظل تدخلات عديدة في المنطقة، أبرزها الروسية والصينية والتركية، والتي تمثل إحدى التحديات للأوروبيين، وهذا ما يطرح عدة تساؤلات حول أسباب عودة الاهتمام الأوروبي بدول البلقان وآفاق الشراكة بين دول المنطقة والاتحاد الأوروبي، والتحديات التي تواجه الأوروبيين في هذه المنطقة.
اذا ما هي الميزات التي تدعو الأوروبيين للتوسع في البلقان؟
العديد من الأسباب وراء الاستدارة الأوروبية نحو دول البلقان، ليس آخرها الحرب الروسية الأوكرانية على حدود الاتحاد الأوروبي، وإنما منطقة البلقان بحد ذاتها والتي تتميز بتركيبتها العرقية والاثنية التي من الممكن أن تؤدي أي فوضى فيها إلى تهديد مصالح الاتحاد الأوروبي.
1- الحدود بين البلقان والاتحاد الأوروبي
فقد شهدت الأسابيع التي سبقت قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان في ألبانيا، حراكا دبلوماسيا واسعا من الجانب الأوروبي تجاه دول غرب البلقان الست (سلوفينيا ، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا).
في يونيو/حزيران من العام الماضي ، عقدت قمة مسار برلين لدول غرب البلقان، وهي منصة تأسست في عام 2014 لتسريع المواءمة الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي وتعميق التكامل والتعاون الإقليمي. وخلال هذه القمة، انتقد زعماء البلقان علنا، وبشدة، الاتحاد الأوروبي لعدم إحراز أي تقدم في محادثات الانضمام، وسط خيبة أمل من أن المفاوضات لم تبدأ أو توقفت، بعد سنوات من وعدِهم بالعضوية النهائية في الاتحاد الأوروبي.
2- البلقان والتركيبة التعددية
تكمن أهمية منطقة البلقان حيث يعتبر الجزء الجنوبي الغربي منها مهما لأوروبا، إضافة إلى تركيبتها العرقية والاثنية المكونة من الكاثوليك والأرثوذكس والمسلمين، وبالتالي فإن الأوروبيين معنيون بتثبيت الأمن والاستقرار وإنعاش هذه المناطق، وذلك تجنبا لوصول حكام ديكتاتوريين لتلك الدول ما قد ينتج عنه حرب في المنطقة التي سبق وأن شهدت حروبا كبيرة بدءا من الحرب العالمية الأولى، وصولا إلى الحرب الأخيرة التي شنها الصرب على البوسنة و كوسوفو، وانتهت بتدخل حلف "الناتو".
و الصرب يعتبرون أنفسهم القوة الأكبر في هذه المنطقة، وهم يرتبطون مع روسيا بشكل كبير، لذلك يقوم الأوروبيون بتوسع تدريجي في المنطقة ويعملون على استنهاضها وحل مشاكلها، وقد استطاعوا حلّ الخلاف بين اليونان ومقدونيا، كما دخلت كرواتيا مطلع العام الحالي في الاتحاد الأوروبي، وأيضا جمهورية الجبل الأسود مرشحة لدخول الاتحاد، وسلوفينيا أصبحت على أبواب الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، هناك خلاف بين صربيا وكوسوفو اليوم، حيث توترت العلاقات منذ الشهر التاسع من العام الماضي، على خلفية رفض صربيا دخول كوسوفو الاتحاد الأوروبي، و "في الحقيقة هناك يد روسية في توتر العلاقات في هذه المنطقة، حيث تسعى روسيا لإيصال رسالة للغرب أنها تستطيع العبث في البلقان وبالتالي خلق نقطة توتر ستساعد روسيا من خلال تخفيف الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهتها".
3- الاستقرار الاوروبي ينعش الاقتصاد
اعتمدت المفوضية الأوروبية حزمة التوسيع في 12 تشرين الاول / أكتوبر 2022 من العام الماضي، قدمت تقييما مفصلا لحالة التقدم الذي أحرزته دول المنطقة، كما أوصت المفوضية مجلس أوروبا بأن يمنح المجلس وضع المرشح للبوسنة والهرسك.
مفوض الحوار والتوسع الأوروبي، أوليفر فارهيلي، كان واضحا في تقديم حزمة العام الفائت، إذ قال "إن سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي هي استثمار جيو استراتيجي في سلام قارتنا الأوروبية، واستقرارها، وأمنها، ونموها الاجتماعي والاقتصادي. ومن مصلحتنا المشتركة تسريع عملية التكامل، بدءا من غرب البلقان، حيث استثمرنا لسنوات عديدة لتقريبها من الاتحاد".
انتهت القمة الأخيرة بغرب البلقان بمنجزات ملموسة، على الأقل بالنسبة للجانب البلقاني، وكشفت عن جدّية أوروبية هذه المرة في التوجه نحو الجوار. فقد أعلن الأوروبيون عن تقديم دعم لقطاع الطاقة بقيمة مليار يورو، وبحيث ينقسم إلى جزئين، 500 مليون يورو لدعم الميزانية المباشر، والنصف الثاني، 500 مليون يورو، في البنية التحتية. وكذلك اعتماد 40 مشروعا رائدا بقيمة 1.8 مليار يورو.
المصالح الاوروبية في البلقان
اذا هناك مصالح اقتصادية لأوروبا في دول البلقان، وهي مصالح مهمة من خلال استخدام هذه المنطقة وثرواتها في الإنتاج الاقتصادي، كما أن هناك يدا عاملة رخيصة وطاقة بشرية وأكاديمية مهمة في عمليات الإنتاج، وهناك استثمار اقتصادي وسياحي، خصوصا أن هذه المناطق تقع على البحر الأدرياتيكي الذي تعتبر الخدمات فيه رخيصة، كما أنه مؤهل ليكون عامل جذب للاستثمارات.
وأيضا تعمل أوروبا من خلال توسعها في البلقان على إظهار الوحدة الأوروبية الكاملة وجعل المنطقة منطقة تجارية واحدة، والاستثمار الاقتصادي والسياحي فيها ، خصوصا أن ثرواتها الطبيعة متوفرة، إضافة إلى التعاطي مع مسألة الهجرة وتأمين إدارة حدود المجال الجغرافي، لاسيما أن طريق البلقان يُعد أشهر دروب تدفقات الهجرة غير النظامية نحو دول الاتحاد الأوروبي؛ فمن خلال هذا الطريق تدفق الملايين قادمين من سوريا وأفغانستان والعراق وغيرها من مناطق النزاع في المشرق.
لذلك تتميز السياسات الأوروبية الجديدة تجاه غرب البلقان بمواجهة تحديات عديدة يمكن أن تحول بينها وبين أهدافها، من بينها التدخل التركي والروسي ودخول الصين على خط المنافسة، إضافة إلى الخلاف الصربي الكوسوفي المستمر والذي يعيق وحدة هذه المنطقة.
المنافسة التركية الصينية الروسية لأوروبا
الأتراك موجودون في الأصل في هذه المنطقة نتيجة ارتباط البلقان تاريخيا "بالغزو" العثماني ووصولهم إلى مناطق عديدة، وهم اليوم يشكلون حماية للبوسنيين والألبان والكوسوفيين، كما يشاركون في الدعم والترويج الديني والاقتصادي لهذه الأقليات المسلمة وبحماية الأميركيين، على الرغم من اعتبار الأوروبيين وجود دول مسلمة في أوروبا يمثل تهديدا لديموغرافية القارة.
فالتنافس الأكبر في البلقان بين الروس والصينيين والأتراك، لكن شعوب المنطقة أخذت قرارها منذ العام 1991 بالذهاب نحو أوروبا، لأن أوروبا تشكل جزءا أساسيا من حمايتهم العسكرية والسياسية، خصوصا مع بروز تخوف من غزو روسي لهذه الدول بعد تجربتي جورجيا وأوكرانيا.
إذاً من المتوقع أن يستمر الاتحاد الأوروبي في سياسته الجديدة تجاه غرب البلقان وتعزيزها، من أجل تخفيف النفوذ الصيني في المنطقة ودعم اقتصاديات الدول الست في المنطقة كي تلبّي المعايير المطلوبة للانضمام للاتحاد. وكذلك عبر المُضي في مبادرة الحلّ للخلافات السياسية في كوسوفو، بوصفها معضلة رئيسة يجب حلّها قبل الشروع في أي مسار انضمام بالنسبة الى صربيا وكوسوفو، وإن يكن انضمام دول البلقان للاتحاد الأوروبي فسيتم بشكل منفرد وهو الأسلوب الذي يتعامل به الاتحاد مع هذه الدول من خلال مطابقة المعايير المطلوبة في الاقتصاد والبيئة وحكم القانون والديمقراطية.
ومن هنا نرى أن الغرب مستمر في تقليم أظافر روسيا في الغرب والبلقان خصوصا من خلال الضغط على حليفها القوي صربيا من خلال اعطائها حوافز معينة والتشديد عليها ومنعها من ارتكاب أي حماقات قادمة انصياعا لرغبات روسيا التي تحاول زعزعة الأمن الاوروبي حاليا وحفر مكان لها في البلقان سيكون على حساب صربيا وربما التذكير الذي قدمه الرئيس الصربي بما تم افتعاله برئيس يوغسلافيا السابق سيكون القوة المباشرة من الغرب للضغط على صربيا، والتذكير بأن القوات الدولية موجودة في كوسوفو ولا تريد قرارات دولية بحال الخطأ من قبل بلغراد .